للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذه النصوص يتبين للمسلم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل, وأعظم, وأكرم, وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم, والآباء على أولادهم, لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا, وأبداننا, وأعراضنا, وأموالنا, وأهلينا, وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذه النعم, وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته, وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة, فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة.

فحق علينا إذاً أن نحبه, ونجله, ونعظمه, ونهابه، فبهذا نكون من المفلحين: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٧] فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره, ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم (١) , فلقد سجل الله في هذه الآية الفلاح بأسلوب الحصر للذين تأدبوا بهذا الأدب القرآني الرفيع.

وكما قال تعالى في الإنافة بمقامه الأشرف، وبيان حقه على كل مؤمن ومؤمنة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: ٨ - ٩].

وقد ذهب علماء السلف إلى أن الضمير في قوله جل شأنه: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه: تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته. قال ابن تيمية: (فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله) (٢).

فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه، مما يوجب على المؤمنين برسالته أن يكونوا في مخاطباتهم معه على سنن الإجلال والتعظيم. حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته لمحمد خليفة التميمي -٢/ ٤٢٣


(١) ((شعب الإيمان)) للبيهقي، شعبة التعظيم (١/ ٣٠٢، ٣٠٣).
(٢) ((بغية المرتاد)) (ص ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>