للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: إذا وصلت إلى مقام اليقين سقطت عنك العبادة، مؤولين قول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:٩٩] (١)، وقال عنهم الإمام ابن حزم: (ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة، وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بهذا نساء غيرهم، وقالوا: بأننا نرى الله، ونكلمه، وكل ما قذف في قلوبنا فهو حق ... ) (٢)، وصور الإمام ابن الجوزي حال هؤلاء فقال: (إن قوماً منهم داموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، قالوا: وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام، ولسنا من العوام، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة ... ) (٣)، وأطال شيخ الإسلام في وصف حال هؤلاء فقال: (ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش: كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعماً منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرماً في الشريعة، وكذلك يستحل ذلك مع المردان ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى ... ) (٤)، وقال عنهم: (ومن هؤلاء من يحتج بقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:٩٩]، ويقول معناه: اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبه من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض، وارتكاب المحارم) (٥)، وربما احتج بعضهم: بقصة موسى والخضر فيحتجون بها على وجهين: أحدهما: أن يقولون: إن الخضر كان مشاهداً للإرادة الربانية الشاملة، والمشيئة الإلهية العامة، وهي (الحقيقة الكونية)؛ فلذلك سقط عنه الملام فيما خالف فيه الأمر والنهي الشرعي، ... وأما الوجه الثاني: فإن من هؤلاء من يظن: أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية، كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى، وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن متابعة الرسول في عموم أحواله أو في بعضها، وكثير منهم يفضل الولي في زعمه إما مطلقاً، وإما من بعض الوجوه على النبي، زاعمين أن قصة الخضر حجة لهم ... (٦).


(١) ((إتحاف السادة)) للزبيدي (٨/ ٢٧٨).
(٢) ((الفصل)) (٤/ ٢٢٦).
(٣) ((تلبيس إبليس)) (ص: ٤٩٦).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٠٥).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤١٧).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٢٠ - ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>