للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُوي عن رجال من أهل العلم منهم ابن عمر, ومحمد بن كعب, وزيد بن أسلم, وقتادة- دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك رجل منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله, إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب, نقطع به عناء الطريق.

قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)) ما يلتفت إليه، ولا يزيده عليه (١) (٢).

فهؤلاء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه والعلماء من أصحابه, واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟ (٣).

ومن الأدلة على كفر الطاعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً [الأحزاب: ٥٧].

واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً (٤).

وفي هذه الآية قرن الله بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه, كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه، وفى هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منهم طريق غيره, ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه, وإخباره وبيانه, فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور (٥).

ومن الأدلة الواردة في السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟، قال: نعم ... )) الحديث (٦). فعلم من هذا الحديث أن من آذى الله ورسوله كان حقه أن يقتل كما قتل كعب بن الأشرف, والأدلة من الكتاب والسنة على هذه المسألة كثيرة ولا مجال لاستيعابها هنا.

- الإجماع: وقد أجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، وكذلك حكى غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره.


(١) ((تفسبر ابن كثير)) (٢/ ٣٦٧).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٧/ ٣١٣) بلفظ مقارب. قال الوادعي في ((الصحيح المسند من أسباب النزول)) (١٢٢): رجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد وله شاهد بسند حسن.
(٣) ((الصارم المسلول)) (ص: ٣١ - ٣٣).
(٤) ((الصارم المسلول)) (ص: ٤١).
(٥) ((الصارم المسلول)) (ص: ٤٠ - ٤١) بتصرف.
(٦) رواه البخاري (٤٠٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>