للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سبحانه: إذْ يُوْحِي رَبُّكَ إلَى المَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ إلى قوله: سَأُلْقِي في قُلُوبِ الذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْربُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ واضْرِبُوا مِنْهُم كَلَّ بَنَانٍ ذلكَ بأنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ ورسولهُ [الأنفال:١١ - ١٣] فجعل إلقاء الرُّعب في قلوبهم والأَمر بقتلهم لأجل مشاقَّتهم لله ورسوله، فكل من شاقَّ الله ورسوله يستوجب ذلك.

والمؤذي للنبي مُشَّاقٌ للهِ ورسوله كما تقدم فيستحق ذلك. وقولهم: هُوَ أُذُن قال مجاهد: هو أذُنٌ يقولون: سنقول ما شئنَا ثم نحلف له فيصدقنا (١) ...

قال بعض أهل التفسير: كان رجال من المنافقين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا، فإنّا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا، فقال الجُلاَّسُ: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا، فإنما محمدٌ أذنٌ سامعة، فأنزل الله هذه الآية (٢).

وقال ابن إسحاق: كان نَبْتَل بن الحارث الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((مَن أَرَادَ أَنْ يَنْظُرْ إلَى الشَّيْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَل بنِ الحَارِثِ)) ينمُّ حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تَفْعَلْ، فقال: إنما محمد أُذُن، مَن حدّثه شيئاً صدَّقه، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا عليه، فأنزل الله هذه الآية (٣).

وقولهم: أُذُن قالوه ليبينوا أن كلامهم مقبول عنده، فأخبر الله أنه لا يصدِّق إلا المؤمنين، وإنما يسمع الخبر فإذا حلفوا له فعفا عنهم كان ذلك لأنه أُذن خير، لا لأنه صدَّقهم.

قال سفيان بن عُيَيْنَة: أُذن خير يقبل منكم ما أظهرتم من الخير ومن القول، ولا يؤاخذكم بما في قلوبكم، ويَدَعُ سرائركم إلى الله، وربما تَضَمَّنت هذه الكلمة نوع استهزاء واستخفاف.

فإن قيل: فقد روى نُعيم بن حماد ثنا محمد بن ثور عن يونُس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ لا تجعَلْ لفاجرٍ ولا لفاسق عندي يداً ولا نعمةً فإني وجدت فيما أوحيتَه: لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:٢٢])). قال سفيان: يرون أنها أُنزلت فيمن يخالط السلطان، رواه أبو أحمد العسكري (٤).

وظاهرُ هذا أن كل فاسق لا تبتغي مَودَّته فهو محادّ لله ورسوله، مع أن هؤلاء ليسوا منافقين النفاق المبيح للدَّم.

الدليل الثاني:

قوله سبحانه: يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزئُوا إنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون ولَئِن سَألْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخوُضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرميْنَ [التوبة:٦٤ - ٦٦] وهذا نصٌّ في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسبُّ المقصود بطريق الأَوْلى، وقد دلَّتْ هذه الآية على (أنَّ) كل مَنْ تنقَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جادّاً أو هازلاً فقد كفر ...

الدليل الثالث:

قال سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:٥٨] واللمز: العيبُ والطعن، قال مجاهد: يتهمك يسألك يزْراك، وقال عطاء: يَغْتَابُك.

العبرة بعموم اللفظ:


(١) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٤/ ٤٢٦)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٧/ ٣٠٧).
(٢) انظر: ((تفسير البغوي)) (٤/ ٦٧).
(٣) انظر: ((تفسير البغوي)) (٤/ ٦٧).
(٤) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٨/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>