للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستثنى من ذلك المكره بدليل قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل: ١٠٦] فالآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم, فوافقهم على ذلك مكرهاً وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية، وروى أن مما قاله أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله ما تركت حتى سببتك, وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد)) (١). وفي ذلك أنزل الله: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ، ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى، كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل ... (٢).

القسم الثاني: من نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم:

الطعن فيما أخبر به الرسول لا- مما هو معلوم من الدين بالضرورة- إما بإنكاره أو انتقاصه.

فإذا اجتمعت الشروط التالية في المنكر وهي:

أ- أن يكون ذلك الأمر المنغص من الأمور التي أجمعت عليها الأمة, وأن يكون من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة: أي أن يكون علمه منتشراً كالصلوات الخمس, وصوم شهر رمضان، وعموم رسالته (٣).

ب- أن لا يكون المنكر حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده, فهذا إذا أنكر شيئاً من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة جهلاً به فإنه لا يكفر (٤).

ج- أن لا يكون المُنكِر مكرهاً على ذلك، فإن المكره له حكم آخر كما قدمنا ذلك.

والمُنكِر في هذه الحالة يحكم بكفره وانتقاض إيمانه. والمنتقص لأمور الدين إذا كان غير مكره فإنه يكفر سواء كان جاداً في ذلك أم هازلاً.

والأمثلة على هذا القسم كثيرة جداً نذكر منها على سبيل المثال ما يختص بجانب الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

أولاً: أن يعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه, وأن حكم غيره أحسن من حكمه, كالذين يفضلون القانون الوضعي على حكم الشرع, ويصفون الشريعة الإسلامية بالقصور والرجعية وعدم مسايرة التطور، وهذا من أعظم المناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله.

ثانياً: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فهو كافر (٥).

ثالثاً: اعتقاد الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا الأمر صورتان:

الأولى: أن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا وجوب طاعته فيما أمر به, وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم القدر علماً وعملاً, وأنه يجوز تصديقه وطاعته, ولكنه يقول إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحداً, ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته, وهذا هو قول الفلاسفة الصابئة, وهذا القول لا ريب في كفر صاحبه، فمن نواقض الإسلام أن يعتقد الإنسان عدم كفر المشركين, ويرى صحة مذهبهم، أو يشك في كفرهم.

وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى وحدة الأديان, ويروج لهم في ذلك الماسونية اليهودية.

الثانية: من يرى طلب العلم بالله من غير خبره، أو العمل لله من غير أمره، وهؤلاء وإن كانوا يعتقدون أنه يجب تصديق الرسول أو تجب طاعته، لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي غير سالكين هذا المسلك, بل يسلكون مسلكاً آخر إما من جهة القياس والنظر، وإما من جهة الذوق والوجدان، وإما من جهة التقليد، وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه إلى ما سلكوه.

وإضافة إلى هذه النواقض فإن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ينتقض أيضا بالنواقض العامة الأخرى للإسلام. حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته لمحمد خليفة التميمي -١/ ٤٨


(١) رواه الحاكم (٢/ ٣٥٧) والبيهقي (٨/ ٢٠٨، ٢٠٩). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (٢/ ٢٩٥): إسناده صحيح وزاد بعضهم وفي هذا أنزلت: من كفر بالله من بعد إيمانه .. الآية. وقال ابن حجر في ((الدراية)) (٢/ ١٩٧): إسناده صحيح إن كان محمد بن عمار سمعه من أبيه. وقال الألباني في ((فقه السيرة)) (١٠٣): في ثبوت هذا السياق نظر وعلته الإرسال.
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٥٨٧، ٥٨٨) بتصرف.
(٣) انظر: ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١/ ٢٠٥).
(٤) انظر: ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١/ ٢٠٥).
(٥) ((الجامع الفريد)): (رسالة نواقض الإسلام) للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>