- وإذا تقرر وجوب الإيمان بالوعد والوعيد، ومنه الإيمان بالجنة والنار ... فإن ما يناقض هذا الإيمان له عدة صور وأمثلة؛ فمنها: إنكار الوعد والوعيد – ومنه: إنكار الجنة والنار -، والقول بأن الوعد والوعيد تخييل للحقائق لكي ينتفع به الجمهور ... كما يقول به ملاحدة الفلاسفة. ومن صور هذا الإنكار والاستهزاء، ما يدعيه ملاحدة المتصوفة أن الجنة أو النار معانٍ باطنةٍ يقصد بها نعيم الأرواح أو تألمها فقط ... أو ما يزعمه بعضهم أن أهل النار يتنعمون في النار، كما يتنعم أهل الجنة في الجنة ... ، ومن صور هذا الكفر: السخرية بالوعد والوعيد والاستهزاء بهما ... إلى غير ذلك من الأمثلة (١).
فمن أمثلة هذه النواقض: إنكار الوعد والوعيد والاستهزاء بهما، ووجه كونه ناقضاً عدة أمور منها ما يلي:
أ- أن الإيمان بنصوص الوعد والوعيد يتضمن الإقرار بها وتصديقها، وإجلالها وإكرامها، وهذا الإنكار يناقض هذا الإيمان، فإنكار الجنة والنار - مثلاً - يناقض تصديق القلب، كما يناقض قول اللسان، والاستهزاء بنصوص الوعد الوعيد - ومنها: نصوص الجنة والنار - يناقض هذا الإجلال والتعظيم؛ لأنه يناقض عمل القلب الذي يوجب توقير وتعظيم نصوص الوعد والوعيد.
ب- أن هذا الإنكار أو الاستهزاء بنصوص الوعد والوعيد تكذيب للقرآن الكريم، حيث فرض الله تعالى الإقرار بآياته، وتصديقها، وعدم اتخاذها هزواً، وأيضاً فإن الله تعالى قد حكم بالكفر على من جحد آياته، كما توعده بالعذاب المهين، وأخبر تعالى بأنه لا أحد أظلم ممن كذّب بآيات الله تعالى، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة ...
قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ [الأنعام:١٥٧].
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:٤٠].
وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الحج:٥٧].
وقال عز وجل: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الجاثية:٩]
وقد سمى الله تعالى الاستهزاء بآياته كفراً فقال: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة ٦٥ - ٦٦].
جـ- أن إنكار نصوص الوعد والوعيد وصرفها عن ظاهرها، أو الاستهزاء بها يتضمن طعناً في الأنبياء عليهم السلام، وتنقّصاً لهم، وأنهم ربما كذبوا لمصلحة الجمهور كما يزعم ملاحدة الفلاسفة، مع أن الأنبياء عليهم السلام صادقون مصدقون، قد بلغوا البلاغ المبين، وأقاموا الحجة على الناس، فهم أفضل الخلق عند الله تعالى، وأكمل الخلق علماً وعملاً، حيث اختصهم الله تعالى بوحيه واصطفاهم من بين سائر الناس.
وإن الطعن في الأنبياء كفر وردة عن الإسلام بل إن الطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع الضلالات كما قرره ابن تيمية.
(١) انظر لتفصيل ذلك: ((الشفا)) لعياض (٢/ ١٠٦٨)، ((فتاوى ابن تيمية)) (٤/ ٣١٤)، (١٣/ ٢٧٩)، (١٤/ ١٦١)، (١٦/ ٢٤٢)، و ((الدرء)) (١/ ٨, ٩، ١٠٤)، (٥/ ٤، ٢٤١)، (١٠/ ٢٧٠)، ((الصفدية)) (١/ ٢٤٥).