للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكلام ساقه نعيم بن حماد ليدلل على أن القرآن غير مخلوق، وحجته في ذلك ما ورد في الاستعاذة بكلمات الله وأسمائه الحسنى، فلو كانت مخلوقة لم جازت الاستعاذة بها وهذا يؤكد أن هذه المسألة – وهي عدم جواز الاستعاذة بغير الله – كانت معلومة عند الموافق والمخالف، وإلا لما أوردها عليهم.

ونظير هذا الاستدلال وهذا القول: قول ابن خزيمة: فإنه قال: (أفليس العلم محيطاً يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه؟ هل سمعتم عالماً يجيز أن يقول الداعي: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله؟ أو يجيز أن يقول الداعي: أعوذ بالصفا والمروة، أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه) (١) اهـ.

وقد أورد الإمام البخاري في كتابه الصحيح باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ضمن كتاب التوحيد، ثم ساق فيه تسعة أحاديث، ومقصوده بهذه الترجمة: إثبات أن أسماء الله تعالى غير مخلوقة، لأنه قد وردت الاستعاذة بها والسؤال بها، لأن المخلوق لا يستعاذ به ولا يسأل به.

ويؤكد صحة هذا المعنى الذي تدل عليه ترجمته هو أنه أورد في الباب تسعة أحاديث وتاسعها لفظه: ((لا تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفاً فليحلف بالله)) (٢) وقد قال في كتابه خلق أفعال العباد: (٣) (وليس لأحد أن يحلف بالخواتيم والدراهم البيض وألواح الصبيان التي يكتبونها ثم يمحونها مرة بعد مرة، وإن حلف فلا يمين عليه لقول الله عز وجل فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً [البقرة: ٢٢]).

فهذا نص واضح من الإمام البخاري يفيد أن الحلف بغير الله يعتبر شركاً، وإيراده حديث الأمر بالحلف بالله وحده في باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها يدل على أنه يرى عدم جواز السؤال والاستعاذة بغير الله تعالى، وهذا واضح.

والإطلاق الثالث للعبادة:

هو باعتبار المتوجه بها إليه: فمن توجه بعبادته لله تعالى كانت هذه العبادة توحيداً، ومن توجه بها إلى غير الله كانت شركاً، فعن الثاني يقول الله جل وعلا فيمن دعا غيره: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر: ١٣ - ١٤] فدعاؤهم لغير الله عبادة لهم، وسماها الله تعالى شركاً، وهكذا كل عبادة من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك إذا توجه بها صاحبها إلى الله تعالى كان ذلك توحيداً، وإذا صرفها إلى غير الله تعالى كانت شركاً.

الإطلاق الرابع للعبادة: باعتبار ما يُلاحظ فيها من حق: فإن العبادة قد تطلق على معنى أخص وهو ما يقابل المعاملات، ولذلك فإن الفقهاء في كتب الفقه يدرجون أبواباً في قسم العبادات وهي: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وما عداها في باب المعاملات وهذا لا يعني أن العبادات منحصرة في المذكورات فقط بل تشمل غيرها، بل إن المعاملات نفسها داخلة في مسمى العبادة العام وذلك من جهة التزامها وفق الشرع. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– ١/ ٥٦


(١) ((التوحيد)) لابن خزيمة (١/ ٤٠١ - ٤٠٢).
(٢) رواه البخاري (٧٤٠١). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) ((خلق أفعال العباد)) (ص: ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>