للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: - خلاصة معنى الآية إنه كان فريق من عبادي يدعون، فتشاغلتم بهم ساخرين، واستمر تشاغلكم باستهزائهم إلى أن جركم إلى ترك ذكري في أوليائي فلم تخافوني في الاستهزاء بهم.

وفيه تسخط عظيم لفعلهم ذلك ودلالة على اختصاص بالغ لأولئك العباد المسخور منهم، كما نبه عليه أولاً في قوله تعالى مِّنْ عِبَادِي وختمه بقوله تعالى إِنِّي جَزَيْتُهُمُ إلى قوله تعالى: - هُمُ الْفَائِزُونَ) (١).

ومما سطره الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآيات: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ .. إلى قوله تعالى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ حيث قال رحمه الله:-

(قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، أن (إن) المكسورة المشددة من حروف التعليل كقولك: عاقبه إنه مسيء: أي لأجل إساءته، وقوله في هذه الآية إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي الآيتين. يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة على أن من الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن الذي يقول: - رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به فيدخلون بذلك النار.

وحتى في قوله: حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي .. حروف غاية، لاتخاذهم إياهم سخرياً أي لم يزالوا كذلك، حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به، فكان مأواهم النار والعياذ بالله) (٢).

(ج) أن الاستهزاء بالعلماء والصالحين لأجل ما هم عليه من العلم الشرعي، واتباعهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، هو في حقيقته استهزاء بآيات الله تعالى، وسخرية بشرائع دين الله عز وجل، ولا شك أن هذا الاستهزاء كفر يناقض الإيمان، يقول الله تعالى: - وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الجاثية:٩]، ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار (٣).

يقول ابن حزم: (صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر) (٤).

٤ - ونختم هذا المبحث بجملة من أقوال العلماء في تلك المسألة.

يقول القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا .. الآية حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي أي اشتغلتم بالاستهزاء عند ذكري وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ استهزاء بهم، وأضاف الإنساء إلى المؤمنين؛ لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن ذكره، وتعدى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.

ويستفيد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء، والمساكين، والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل. " (٥)

وجاء في (الفتاوى البزازية): (والاستخفاف بالعلماء لكونهم علماء استخفاف بالعلم، والعلم صفة الله تعالى منحه فضلاً على خيار عباده ليدلوا خلقه على شريعته نيابة عن رسله، فاستخفافه بهذا يعلم أنه إلى من يعود) (٦).


(١) [١٠٦٦٥])) ((روح المعاني)) (١٨/ ٦٩) باختصار يسير
(٢) [١٠٦٦٦])) ((أضواء البيان)) (٥/ ٨٢٧ - ٨٢٨) باختصار
(٣) [١٠٦٦٧])) انظر ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص ٥٢).
(٤) [١٠٦٦٨])) ((الفصل)) (٣/ ٢٩٩)، وانظر ((المحلى)) (١٣/ ٠٠ ٥ –٥٠٢)
(٥) [١٠٦٦٩])) ((تفسير القرطبي)) (١٢/ ١٥٤) باختصار
(٦) [١٠٦٧٠])) ((الفتاوى البزازية بهامش الفتاوى العالمكيرية)) (٦/ ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>