للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- من أطاع الكفار في التشريع والتحليل والتحريم، فأظهر الموافقة في ذلك، فهو كافر وخارج عن الملة، وسنورد بعض النصوص القرآنية في هذا الشأن:

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:١٠٠].

ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية: وتعليق الرد بطاعة فريق منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجاب الاجتناب عن مصاحبتهم بالكلية، فإنه في قوة أن يقال: لا تطيعوا فريقاً ... (١).

وتأمل قوله تعالى: إِن تُطِيعُواْ .. (فإن هذا الفعل جاء مطلقاً، فحذف المتعلق المعمول فيه، ليفيد تعميم المعنى (٢)، فالآية الكريمة تحذر أيّما تحذير عن طاعة أهل الكتاب - فضلاً عن غيرهم من أصناف الكفار - في جميع الأحوال وسائر شؤون الحياة.

ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ [آل عمران:١٤٩].

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: عند هذه الآية: أخبر تعالى أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار فلا بد أن يردوهم على أعقابهم عن الإسلام، فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر، وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ولم يرخص في مواقفهم وطاعتهم خوفاً منهم. وهذا هو الواقع فإنهم لا يقتنعون ممن وافقهم إلا بشهادة أنهم على حقٍّ وإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين (٣).

ويقول سبحانه وتعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: ١٢١].

فصرح تعالى بأنهم مشركون في طاعة أولئك الكفار، حينما وافقوهم في تحليل أو تحريم (٤).

وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:٢٥, ٢٦].

فهذا النوع من الموالاة كان سبباً في ردة أولئك القوم (٥)، ولذا يقول ابن حزم: فجعلهم مرتدين كفاراً بعد علمهم الحق، وبعد أن تبيّن لهم الهدى بقولهم للكفار ما قالوا فقط، وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم (٦).

ويقول القاسمي في (تفسيره): ذلك إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم، بِأَنَّهُمْ أي: لسبب أنهم قَالُوا أي: المنافقون الذين كرهوا ما نزل الله أي: اليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ أي بعض أموركم، أو ما تأمرون به ... كما أوضح ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ [الحشر:١١] (٧).


(١) ((تفسير أبي السعود)) (١/ ٥٢٣).
(٢) انظر توضيح هذه النكته في كتاب ((القواعد الحسان لتفسير القرآن)) لعبدالرحمن السعدي (ص٤٦ - ٥١).
(٣) ((الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك)) (ص٣٣).
(٤) انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٨٣).
(٥) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٨/ ١٩٣).
(٦) ((الفصل)) (٣/ ٢٦٢).
(٧) ((تفسير القاسمي)) (١٥/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>