للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٢) وسئل: يقول البعض: إذا ترك عمل الجوارح بالكلية خرج من الإيمان ولكن لا يقتضي عدم انتفاعه بأصل الإيمان والشهادتين، بل ينتفع بهما، كمن أراد الحج ولم يشهد عرفة وهو ركن فإنه ينتفع بالأركان الأخرى، (١) فما قول فضيلتكم في ذلك؟

فأجاب: (نقول هذا ليس بصواب، إنه لن ينتفع بإيمانه مع ترك الصلاة التي دلت النصوص على كفر تاركها، وكذلك لو ترك الوقوف بعرفة، ما صح حجه كما دل على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما من أدرك عرفة قبل الفجر يوم النحر فقد أدرك، ومن لا فلا، حتى لو جاء بعد ذلك بالرمي والمبيت في منى والطواف والسعي لم يكن حج) (٢).

تعليق:

المتأمل في كلام الشيخ يرى أنه يسير على منوال واحد، هو تقرير أن عمل الجوارح من الإيمان، وأن تاركه بالكلية كافر، وأنه لو وجد إيمان القلب فلابد أن يظهر مقتضاه على الجوارح، وأن حديث: ((لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ)) - وهو أقوى دليل للقائلين بإسلام تارك العمل الظاهر- حديث عام، مخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة، أو محمول على حالة من لم يتمكن من العمل.

وبهذا يتضح جليا أنه لا خلاف بين الشيخ وبين أهل العلم الذين حذروا من الكتب الداعية للإرجاء في هذا العصر. غاية الأمر أن الشيخ أعرض عن تعبير: (جنس العمل) وقال حين سئل: (تارك جنس العمل كافر. تارك آحاد العمل ليس بكافر، ما رأيكم في ذلك؟) قال: (من قال هذه القاعدة؟! من قائلها؟! هل قالها محمد رسول الله؟! كلام لا معنى له. نقول: من كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر هذا الصواب. أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله طنطنة لا فائدة منها) (٣).

وهذا إعراض عن المصطلح، مع الموافقة على المضمون كما سبق، وهو اجتهاد من الشيخ لفض النزاع وتقليل الخلاف، فإنه قد دعي في هذا اللقاء ليحسم هذه المسألة، وأُخبر أن الخلاف دائر حولها، فرأى المصلحة في صرف المتنازعين عن الألفاظ المجملة، والاعتماد على المناطات الواضحة التي يمكن الركون إليها، فتارك العمل بالكلية، يحكم بكفره لأنه تارك للصلاة، وهذا مجمع عليه بين الصحابة كما أكد الشيخ، فلا مجال للخروج عن إجماعهم، مع تقرير أنه لا يمكن أن يوجد الإيمان في القلب مع ترك عمل الجوارح.

وأيضا: فإن السؤال الذي عُرض على الشيخ، ينم عن جهل، وفتنة بالمصطلح، فقول السائل: (تارك جنس العمل كافر)، يقال فيه: عمل ماذا؟! عمل القلب أم عمل الجوارح أم كلاهما؟! وقوله: (تارك آحاد العمل ليس بكافر)، يقال فيه: أي عمل تريد؟ الصلاة؟ أم الزكاة؟ أم بر الوالدين؟ أم عمل القلب كالخوف والمحبة؟

فلا شك أن هذا السؤال طنطنة، بل عيّ وجهل.

ولله دره، فقد حدث بعده أن اختلف المختلفون في المراد بجنس العمل، فمنهم من قال: المراد به ترك العمل الظاهر كله، ومنهم من قال: بل المراد ترك جنس كل عمل، أي ترك جنس الصلاة، وجنس الزكاة، وجنس بر الوالدين! ولا أحسب سنيا يقول هذا، لكنه من تشنيع المخالف على المخالف.

على أنه قد ورد التعبير بـ (جنس العمل) و (جنس التصديق) في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، لكنه محفوف بسياق وسباق يزيل عنه اللبس، وقد قدمت في أول هذه المسألة أني أعرضت عن استعمال هذا المصطلح، وآثرت التعبير بما لا لبس فيه، من نحو قولنا: تارك عمل الجوارح كلِّه، أو بالكلية.

٢٣ - الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، رحمه الله:

قال في كتابه: (درء الفتنة عن أهل السنة): (وإياك ثم إياك- أيها المسلم- أن تغتر بما فاه به بعض الناس من التهوين بواحد من هذه الأسس الخمسة لحقيقة الإيمان، لا سيما ما تلقفوه عن الجهمية وغلاة المرجئة من أن العمل كمالي في حقيقة الإيمان ليس ركنا فيه، وهذا إعراض عن المحكم من كتاب الله تعالى في نحو ستين موضعا، مثل قول الله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: ٤٣]، ونحوها في السنة كثير، وخرق لإجماع الصحابة ومن تبعهم بإحسان) (٤).

والأسس الخمسة المشار إليها هي أن الإيمان: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

وشارك الشيخ حفظه الله مع اللجنة الدائمة في التحذير من الكتب الداعية إلى الإرجاء، والزاعمة بأن العمل شرط كمال، وأن تاركه بالكلية مسلم. الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - بتصرف - ٢/ ١


(١) هذه الشبهة أو التأصيل الباطل، مما أورده صاحب كتاب: ((حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة))، وقد حذرت منه اللجنة الدائمة، انظر نص بيان اللجنة في الملحق رقم (٣).
(٢) الأسئلة القطرية.
(٣) الأسئلة القطرية.
(٤) ((درء الفتنة عن أهل السنة)) (ص٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>