للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن ما استدركه العراقي من الاحتمال المذكور – كما يقول الدكتور التازي – رحمه الله – بعيد، لأن الضمير في له إنما هو لحممة، وليس في لفظ الحديث ما يمكن أن يعود عليه الضمير غيره، وإخبار أبي موسى بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم له يستلزم معرفته به، وصحبته له.

ويعلل لقبول قول الصحابي في آخر صحابي: بأن الصحابي عدل، فإذ صح لنا أن نقبل قوله حين يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن نقبل قوله حين يخبر أن فلاناً صحابي من باب أولى.

د- أخبار أحد التابعين الموثقين عند أهل الحديث بأن فلاناً صحابي:

فهل يقبل قوله وتثبت به صحبة من أخبر عنه، أو لا يقبل قوله، ولا تثبت به صحبة من أخبر عنه؟ اختلف العلماء من المحدثين والأصوليين في ذلك.

فذهب جماعة منهم إلى قبول قوله، ومنهم الإمام السخاوي حيث قال في (فتح المغيث) وهو يبين طرق إثبات الصحبة:

(وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين على الراجح) (١). والحافظ ابن حجر فقد قال في (الإصابة): (وكذا عن آحاد التابعين). أي: بأن يروي عن آحاد التابعين أن فلاناً صحابي.

والإمام زكريا الأنصاري حيث قال في (فتح الباقي): (وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين) (٢).

والشيخ محمد نجيب المطيعي حيث قال في (حاشيته على الإسنوي): (أو بإخبار آحاد التابعين بأنه صحابي) (٣). وغيرهم من العلماء (٤).

وذهب جماعة آخرون إلى أنه لا يقبل قوله، ولا تثبت به صحبة من أخبر عنه.

وممن ذهب إلى ذلك: بعض شراح (اللمع) على ما ذكره الإمام السخاوي في (فتح المغيث) (٥).

وقد سكت بعض العلماء عن ذكر هذا الطريق كالإمام ابن كثير وابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم، حيث لم يذكروا وهم يبينون طرق إثبات الصحبة قول التابعي: إن فلاناً صحابي كطريق لمعرفة الصحابة رضي الله عنهم (٦).

والاختلاف بين القائلين بثبوت الصحبة بإخبار أحد ثقات التابعين وبين النافين لذلك مبني في الحقيقة على خلاف آخر وهو: هل تقبل التزكية إذا صدرت من مزكٍّ واحد، أو لابد فيها من التعدد؟

فمن ذهب إلى عدم إثبات الصحبة بقول التابعي: إن فلاناً صحابي، جرى على أن التزكية غير مقبولة إذا صدرت من مزك واحد، بل لابد فيها من اثنين.

ووجهتهم فيما ذهبوا إليه من اشتراط التعدد.

١ - أن التزكية تتنزل منزلة الحكم، فلا يشترط فيها العدد، بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحاكم فلابد فيها من العدد، فلا يصح إلحاق التزكية بالشهادة (٧).

٢ - إن التزكية إن كانت صادرة عن اجتهاد المزكي فهي بمنزلة الحكم، وحينئذ لا يشترط التعدد في المزكي، لأنه بمنزلة الحاكم. وإن لم تكن صادرة عن نفسه واجتهاده، بل منقولة عن غيره، فأيضاً لا يشترط التعدد حينئذ، لأن أصل النقل لا يشترط فيه العدد، فكذا ما يتفرع عنه، فلا يقال: إن التزكية تأخذ حكم الشهادة (٨).

وما ذكر من أن الاستقراء أن لا يزيد شرط على مشروطه، ولا ينقص شرط عن مشروطه منتف – كما في (التحرير) وشرحه – بشاهد هلال رمضان إذا كان بالسماء علة، فإنه يكتفى فيه بواحد، ويفتقر تعديله إلى اثنين، فقد زاد الشرط في هذا على مشروطه.


(١) ((الإصابة)) (١/ ٨)، وانظر: ((نزهة النظر)) (ص: ١٠١).
(٢) ((فتح الباري)) (٣/ ١٢).
(٣) ((سلم الوصول)) (٣/ ٧٩).
(٤) انظر: ((المختصر في علم رجال الأثر)) (ص: ٢٦)، ((محاضرات في علوم الحديث)) (١/ ٣٦)، ((دراسات تاريخية)) (ص: ٤٠)، ((توضيح الأفكار تعليق محيي الدين عبد الحميد)) (٢/ ٤٢٨).
(٥) انظر: ((فتح المغيث)) (٣/ ٩٩).
(٦) انظر: ((الباعث الحثيث)) (ص: ١٩٠)، ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: ١٤٦)، ((تقريب النووي)) (٢/ ٢١٣).
(٧) انظر: ((نزهة النظر)) (ص: ١٣٤).
(٨) انظر: ((نزهة النظر)) (ص: ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>