للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: (واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم) (١). والذي أرى في اللفظ دلالة عليه أن المراد بالسابقين الأولين الذين سبقوا إلى الإسلام والهجرة والنصرة, وابتدروا ذلك قبل تمكن الإسلام وتتابع الناس عليه، ولا شك أن أول من يدخل في هؤلاء أوائل من أسلم من المهاجرين كالخلفاء الأربعة ومن الأنصار الذين أسلموا ليلتي العقبة. ولعل جميع من أسلم حتى غزوة الحديبية من السابقين الأولين (٢). ذلك أن صلح الحديبية كان فتحاً للمسلمين، فقد نزل قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا [الفتح: ١]. في منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية (٣). ولم يكن الصحابة يعدون الفتح إلا الحديبية كما قال البراء رضي الله عنه: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية) (٤). وفي (مغازي الواقدي) عن أبي بكر وعمر أن كلاً منهما قال: (ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية) (٥). فكان يوم الحديبية فتحاً للإسلام والمسلمين تتابع الناس بعده على الإسلام لما ترتب على الصلح من وقوع الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد وعمرو وغيرهما، ولعله مما يقوي هذا الرأي تفسير جمع من أهل العلم الفتح بالحديبية في قوله: لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا فيستأنس بهذا التفضيل في الآية على أنه للسابقين الأولين، وتفسير العلماء للفتح بالحديبية على أن السابقين هم من أسلم قبل الحديبية. والله أعلم.

ودل كتاب الله على تفضيل المهاجرين على الأنصار فقد قدم الله ذكرهم على ذكر الأنصار في كتابه، قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: ٧٤]. فقدم ذكر الذين هاجروا على الذين آووا ونصروا.


(١) ((تفسير القرطبي)) (٨/ ٢٣٦).
(٢) ((سير أعلام النبلاء)) (١/ ١٤٤).
(٣) ((أسباب النزول)) للواحدي (ص: ٢٥٦).
(٤) رواه البخاري (٤١٥٠).
(٥) ((المغازي)) (٢/ ٦٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>