للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال ابن العربي في خديجة رضي الله عنها: (وهي أفضل نساء الأمة من غير خلاف) (١). قال ابن حجر: (رد بأن الخلاف ثابت قديماً وإن كان الراجح أفضلية خديجة) (٢). وعائشة رضي الله عنها أفضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، لأنه لم يقيد من عموم تفضيلها على النساء إلا خديجة وفاطمة بالنص, ولقد ورد فيما لا يحصى من النصوص ما يدل على تفضيلها رضي الله عنها على بقية زوجاته صلى الله عليه وسلم، منها حديث: ((كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها)) (٣) وفي رواية: ((أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله)) (٤). وحديث: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: أين أنا غداً؟ حرصاً على بيت عائشة، قالت عائشة: فلما كان يومي سكن)) (٥).

وروى أن زياداً بعث إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمال وفضل عائشة فجعل مبعوثه يعتذر إلى أم سلمة فقالت: ((يعتذر إلينا زياد فقد كان يفضلها من كان أعظم علينا تفضيلاً من زياد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (٦).

ثم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء الأمة لقوله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ وإنما خصت فاطمة رضي الله عنها من عموم الآية بقوله صلى الله عليه وسلم فيها أنها سيدة نساء الأمة (٧). وقد قيل إن الإجماع انعقد على أفضلية فاطمة (٨).

والحاصل أن فاطمة سيدة نساء هذه الأمة، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المؤمنات على الإطلاق وأفضلهن خديجة وقد شاركتها ابنتها فاطمة في كونهما أفضل نساء الأمة، ثم بعد خديجة عائشة ثم بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم بعد عائشة، هذا وفي حديث عائشة رضي الله عنها الطويل الذي فيه ما وقع لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيذاء والمتاعب لما خرجت من مكة بعد قدوم أبيها صلى الله عليه وسلم المدينة قال صلى الله عليه وسلم في زينب: ((هي أفضل بناتي، أصيبت في)) (٩).

وهذا يشكل ما ورد في فاطمة رضي الله عنها من التفضيل لأنه يدل على أن زينب أفضل من فاطمة رضي الله عنهما.

وقد أجاب الطحاوي عن هذا الإشكال بأن ذلك كان متقدماً ثم وهب الله فاطمة من الفضائل والأحوال الشريفة ما لم يشاركها فيه أحد من نساء الأمة، قال: (وكانت – (يعني فاطمة) – قبل ذلك الوقت الذي استحقت زينب ما استحقت من الفضيلة صغيرة غير بالغة مما لا يجري لها ثواب بطاعتها, ولا عقاب بخلافها) (١٠).

وذكر ابن حجر وجها آخر من الجواب وهو احتمال تقدير (من) فيكون المراد من أفضل بناتي (١١) .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد الشظيفي –ص: ٢٧٤


(١) ((عارضة الأحوذي)) (١٣/ ٢٥٣).
(٢) ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٩).
(٣) رواه البخاري (٣٧٧٥). من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٢٥٧٤)، ومسلم (٢٤٤١). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٣٧٧٤). من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه.
(٦) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٣/ ١١٤) (٢٦٥١). من حديث عمرو بن الحارث بن المصطلق رضي الله عنه. وحسن إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٤٥).
(٧) الحديث رواه البخاري (٦٢٨٥)، ومسلم (٢٤٥٠). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٨) ((فتح الباري)) (٧/ ١٠٩).
(٩) رواه الحاكم (٢/ ٢١٩). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وجود إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٦).
(١٠) ((مشكل الآثار)) (١/ ٤٦).
(١١) ((الفتح)) (٧/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>