للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صاحب النداء بسورة براءة تبليغاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم في الموسم، وشريكه في هديه في حجة الوداع، وخليفته في أهله في غزوة تبوك، وصاحب تجهيزه حين توفي مع جماعة من أهل البيت رضي الله عنهم.

وقد ثبت له في الأحاديث الصحاح والحسان من الفضائل الجمة ما فيه كفاية وغنية عن تلفيق الرافضة وخرطهم وكذبهم عليه وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم عليه ما لم يقل قبّحهم الله.

(مبيد) أي مدمر (كل خارجي) نسبة إلى الخروج من الطاعة، ولكن صار هذا الاسم علماً على الحرورية الذين كفروا أهل القبلة والمعاصي وحكموا بتخليدهم في النار بذلك، واستحلّوا دماءهم وأموالهم، حتى الصحابة من السابقين الأولين من أهل بدر وغيرهم، حتى علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وخباب وأقرانهم رضي الله عنهم، ثم صار هذا الاسم عاماً لكل من اتبع مذهبهم الفاسد وسلك طريقتهم الخائبة.

وكل ذنب يكفرون به المؤمنين فهو تكفير لأنفسهم من وجوه عديدة وهم لا يشعرون:

فمنها: أن تكفير المؤمن إن لم يكن كذلك كفر فاعله كما في الحديث: ((أيّما امرئٍ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه)) (١).

ومنها: أنّ من أكبر الكبائر التي يكفرون بها المؤمنين قتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق وهم أسرع الناس في ذلك يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان.

ومنها: أنّ المؤمن وإن عمل المعاصي فهو لا يستحلها وإنّما يقع فيها لغلبة نفسه إياه وتسويل شيطانه له وهو مقر بتحريمها وبما يترتب عليه من الحدود الشرعية فيما ارتكبه، وهم يقتلون النفس التي حرّم الله قتلها إلاّ بالحق، ويأخذون الأموال التي حرّم الله أخذها إلا بالحق، ويفعلون الأفاعيل القبيحة مستحلّين لها، والذي يعمل الكبيرة مستحلاًّ لها أولى بالكفر ممن يعملها مقراً بتحريمها بل لا مخالف في ذلك إذ هو تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله تعالى به رسله عليهم السلام، وإنّما توقّف الصحابة عن تكفير أهل النهروان لأنّهم كانوا يتأوّلون فحكموا أنّهم بغاة ...

في (الصحيح) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفة من حنين، وفي ثوب بلال فضّة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل، قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي، إنّ هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية)) (٢).


(١) رواه البخاري (٦١٠٤) , ومسلم (٦٠) واللفظ له.
(٢) رواه مسلم (١٠٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>