للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديث في فضله كثيرة جداً ... والحديث في الإشارة إلى خلافته رضي الله عنه في رؤيا الرجل الصالح الدلو التي شرب منها أبو بكر وعمر وعثمان. ثم جاء علي وأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء (١)، وكان تأويل ذلك ما أصابه رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه والفتن الهائلة والدماء المهرقة والأمور الصعاب والأسلحة المسلولة بين المسلمين بسبب السّبئية ومن وافقهم من أهل الأمصار على قتل عثمان، وكان غالبهم منافقين، وقليلٌ منهم من أبناء الصحابة مغرورون، فحصل من ذلك في يوم الجمل وصفين وغيرهما وقائع يطول ذكرها.

... وكان رضي الله عنه أيام خلافته على طريق الحق والاستقامة والتمسك بكتاب الله وهدي محمد صلى الله عليه وسلم مجتهداً في جمع شمل الأمّة وإطفاء الفتن والتذفيف على أهل البدع حتى اعتدى على حياته رضي الله عنه الشَّقي ابن ملجم الخارجيّ قبّحه الله وقد فعل، وذلك يوم الجمعة في وقت الفجر وهو يقول: الصّلاة الصّلاة، فمكث يوم الجمعة ليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة ٥٩٧هـ، فكانت مدة خلافته أربع سنين وتسعة أشهر إلا ليال، وهو يومئذ أفضل من على وجه الأرض بالإجماع. وذلك مصداق ما روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخلافة ثلاثون سنةً، ثم تكون بعد ذلك ملكاً)) قال سفينة: فخذ سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين (٢).

قلت: سفينة رضي الله عنه حذف الزائد والناقص على السنين من الأشهر على ما جرت به عادات العرب في حذف الكسور في الحساب، وعلى ما قدّمنا ضبطه فأيام كلٍّ منهم لا تكمل ثلاثين إّلا بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنه، وهي ستّة أشهر، ثم أصلح الله به الفئتين من المسلمين كما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وولّي معاوية بذلك واجتمع الناس عليه وكان ذلك العام يسمى (عام الجماعة) وكان معاوية رضي الله عنه أوّل ملوك الإسلام وخيرهم، وروى الإمام أحمد عن عليّ رضي الله عنه قال: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر، ثم خبطتنا بعده فتنة فهو ما شاء الله (٣). وفي رواية: يقضي الله فيها ما شاء (٤).

وله عنه رضي الله عنه قال: ليحبني قوم حتّى يدخلوا النار في حبّي، وليبغضني قومٌ حتى يدخلوا النّار في بغضي (٥) ...

وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: لا أعلم أحداً يحفظ من الفضائل في الأحاديث الصحاح ما يُحفظ لعليٍّ رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين. معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي- بتصرف– ٣/ ١٣٦١ - ١٣٨١


(١) رواه أبو داود (٤٦٣٧)، وأحمد (٥/ ٢١) (٢٠٢٥٥). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ١٨٣): رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال الألباني في ((ضعيف سنن أبي داود)): ضعيف. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده حسن من أجل الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي.
(٢) رواه أبو داود (٤٦٤٦) , والترمذي (٢٢٢٦) , وأحمد (٥/ ٢٢٠) (٢١٩٦٩). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: وهذا حديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جهمان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جهمان. وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٤١). وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٠٦): ثابت. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.
(٣) رواه أحمد (١/ ١٣٢) (١١٠٧) , والحاكم (٣/ ٧١). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٥٧): رجال أحمد ثقات. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٢/ ٢٥١): إسناده صحيح. وقال شعيب الأرناؤوط في ((مسند أحمد)): إسناده حسن.
(٤) رواه أحمد (١/ ١٢٥) (١٠٣٢) , وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (٥/ ٤٦) , قال الحكمي في ((معارج القبول)) (٣/ ١١٨١): مشهور عنه من طرق لا تحصى, وقال أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط محققا ((مسند أحمد)): إسناده صحيح.
(٥) رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (٢/ ٥٧١) , وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٢/ ٤٧٦) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٦/ ٣٧٤). قال الألباني في ((ظلال الجنة)) (٩٨٣): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

<<  <  ج: ص:  >  >>