للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الداودي: يحتمل أن يكون المراد من الخيرية في شيء مخصوص كحسن الخلق وإن حمل على ظاهره ففيه ما يبين أن قول ابن عمر: (ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم) (١) لم يرد به جميع الصحابة فإن بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير وقد تعقب الحافظ رحمه الله هذا الاحتمال الذي قاله الداودي بقوله: (قلت: قول ابن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك) (٢).

٦ - ومن مناقبه -رضي الله عنه- أنه كان شجاعاً مقداماً في ساحة القتال. فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه: (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم وقعة اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير) (٣).

وفي هذا بيان فضيلة للزبير -رضي الله عنه- تضمنها قول الصحابة له يوم اليرموك (ألا تشد فنشد معك ... إلخ) فإنه كان شجاعاً مقداماً موفقاً في تسديد الضربات لجيوش الشرك. ولقد أبلى -رضي الله عنه- في يوم اليرموك وفي جميع الغزوات التي غزاها بلاء حسناً.

فقد روى الترمذي بإسناده إلى هشام بن عروة قال: (أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل فقال: ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذَاكَ إلى فرجه) (٤).

٧ - ومن أعظم مناقبه وأعلاها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة. فقد روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة ... )) الحديث (٥).

٨ - ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يموت شهيداً فقد روى الإمام مسلم في (صحيحه) بإسناده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)) (٦).

فلقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة وحصلت له كما أخبر بها المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما كان يوم الجمل ذكره علي بما ذكره به فرجع عن القتال وكر راجعاً إلى المدينة فمر بقوم الأحنف بن قيس وكانوا قد انعزلوا عن الفريقين فقال قائل يقال له الأحنف: ما بال هذا جمع بين الناس حتى إذا التقوا كر راجعاً إلى بيته من رجل يكشف لنا خبره؟ فاتبعه عمرو بن جرموز في طائفة من غواة بني تميم ... فأدركه عمرو بواد يقال له وادي السباع – قريب من البصرة – وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله ... ولما قتله اجتز رأسه وذهب بها إلى علي ورأى أن ذلك يحصل له به حظوة عنده فاستأذن فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار وفي رواية: أن علياً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بشر قاتل ابن صفية بالنار)) ودخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير فقال علي: إن هذا السيف طال من فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه وقيل: بل عاش إلى أن تأمر مصعب بن الزبير على العراق فاختفى منه فقيل لمصعب: إن عمرو بن جرموز هاهنا وهو مختف فهل لك فيه؟ فقال: مروه فليظهر فهو آمن والله ما كنت لأقيد للزبير منه فهو أحقر من أن أجعله عدلا للزبير (٧) (وكان قتله -رضي الله عنه- يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين) (٨) ذلك هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على عظيم قدره وعلو شأنه -رضي الله عنه- وأرضاه. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم لناصر بن علي عائض – ٣٠٠/ ١


(١) رواه البخاري (٣٦٩٧).
(٢) ((فتح الباري)) (٧/ ٨١).
(٣) رواه البخاري (٣٧٢١).
(٤) رواه الترمذي (٣٧٤٦). وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث حماد بن زيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): إسناده صحيح.
(٥) رواه الترمذي (٣٧٤٧)، وأحمد (١/ ١٩٣) (١٦٧٥). وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٥/ ٤٣٦) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٣/ ١٣٦): إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٦) رواه مسلم (٢٤١٧).
(٧) ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٧٢ - ٢٧٣).
(٨) انظر ((الطبقات)) لابن سعد (٣/ ١١٠ - ١١٣)، ((الاستيعاب لابن عبد البر على الإصابة)) (١/ ٥٦٤)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٧٣)، ((الإصابة)) (١/ ٥٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>