للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرطبي: (وأما من أبغض والعياذ بالله أحداً منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حدث وقع لمخالفة غرض أو لضرر ونحوه لم يصر بذلك منافقاً ولا كافراً، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، فإما أن يقال كلهم مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور، مع أنه مخاطب بما يراه ويظنه، فمن وقع له في أحد منهم والعياذ بالله لشيء من ذلك، فهو عاص يجب عليه التوبة، ومجاهدة نفسه بذكر سوابقهم، وفضائلهم، وما لهم على كل من بعدهم من الحقوق إذا لم يصل أحد من بعدهم لشيء من الدين والدنيا إلا بهم وبسببهم قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ الآية اهـ) (١).

وقد وفق الله الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة لاعتقاد ما دلت عليه النصوص المتقدم ذكرها من أن حب الصحابة واجب على كل مسلم، (فقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سنة؟ قال: لا، فريضة) (٢).

وقال الطحاوي رحمه الله تعالى مبيناً ما يجب على المسلم اعتقاده في محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) (٣).

وقال أبو عبد الله بن بطة في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة: (ونحب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأولاً: من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان وأحد فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة الذين سبقت لهم السوابق رحمهم الله أجمعين) (٤).

فعلى المسلم أن يسلك في حب الصحابة مسلك أهل الحق من أهل السنة والجماعة بحيث يحبهم جميعاً، ولا يفرط في حب أحد منهم وأن يتبرأ من طريقة الشيعة الرافضة الذين يتدينون ببغضهم وسبهم، ومن طريقة النواصب والخوارج الذين ابتلوا بإيذاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم كل مسلم أن أهل السنة والجماعة يتبرؤون من طريقة هذه الفرق فيهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ويتبرؤون من طريقة الروافض والشيعة الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب والخوارج الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل) (٥).

(فمن أراد السلامة لدينه وأن يسلم له إيمانه فليحبهم جميعاً، وأن يحتم ذلك على نفسه، وعلى كل أبناء جنسه لأن ذلك واجب على جميع الأمة واتفق على ذلك الأئمة، فلا يزوغ عن حبهم إلا هالك، ولا يزوغ عن وجوب ذلك إلا آفك) (٦). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –٢/ ٧٥٧


(١) انظر: ((عمدة القاري)) (١/ ٤٠٦).
(٢) رواه خيثمة بن سليمان في كتاب ((الرقائق والحكايات)) (ص: ١٧١).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص: ٤٦٧).
(٤) ((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة)) (ص: ٢٧١).
(٥) ((العقيدة الواسطية مع شرحها))، لمحمد خليل هراس، (ص: ١٧٣)، وانظر: ((قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر)) (ص: ١٠٣).
(٦) انظر: ((لوامع الأنوار البهية))، للسفاريني (٢/ ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>