للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣ - قال تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: ١٠].

في هذه الآية بيان لتفاوت درجات المنفقين والمجاهدين حسب تفاوت أحوالهم في الإنفاق والقتال والسبق بعد بيان أن لهم أجراً كبيراً على الإطلاق حثاً لهم على تحري الأفضل، فمن قاتل من الصحابة أو أنفق قبل فتح مكة أعلى درجة وأعظم شأناً من الذي قاتل وأنفق بعد الفتح ومع هذا فإن كلا من الفريقين قد وعدهم الله الحسنى والدرجات العليا في الجنة.

وقد قال تعالى في القرآن في آية أخرى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء: ١٠١] أي عن النار، فوجب أن يقال إن الله كتب لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين قاتلوا معه ونصروه والذين أيدوه وعزروه وأعانوه بالمال والأنفس الجنة إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران: ٩].

ووجه الاستدلال: هو أنه من كتب الله له الجنة وأبعده عن النار لابد أن يكون عدلاً مستقيماً.

١٤ - قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٨ - ٩].

إن أهم ما شهد الله سبحانه وتعالى به لأولئك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء فضل الله ورضوانه، ونصر الله ورسوله، الصدق؛ فقال: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي مستمرون على الصدق وهذا دليل قاطع أن المهاجرين جميعاً كانوا صادقين، وماتوا صادقين بشهادة ربهم، وأنهم عدول في كل ما ينقلونه عن نبيهم عليه الصلاة والسلام قرآناً وسنة؛ وأما الأنصار فقد مدحهم مدحاً عظيماً، ووصفهم بأنهم يحبون من هاجر إليهم، لأنهم ساكنوهم وأشركوهم في أموالهم، وأسبغوا عليهم من حبهم، ولم يجدوا في أنفسهم من الحسد على ما خصهم النبي صلى الله عليه وسلم من فيء وكانوا يقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل ما يتعلق بالدنيا من الحظوظ، مع فقرهم وحاجتهم، ولكونهم كذلك كانوا من الفائزين الناجحين، واستحقوا رضوان الله سبحانه وتعالى (١).

ثم يبين الله تبارك وتعالى واجب من يأتي بعد الصحابة تجاههم فيقول: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: ١٠].

فواجب من جاء من بعدهم هو الدعاء لهم وتصفية القلوب من بغض أحد منهم؛ وقد قالت عائشة رضي الله عنها: أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية (٢).


(١) ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٣٣٧ - ٣٣٨)، ((أضواء البيان)) (٨/ ٦٩ - ٧٤).
(٢) ((الدر المنثور)) للسيوطي (٨/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>