للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة؛ فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم والاستغفار لهم والترحم عليهم .. وعقوبة من أساء فيهم القول) (١).

وقال القاضي عياض: (وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل) (٢).

وقال عبد الملك بن حبيب: (من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً. وإن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر، فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت) (٣).

فلا يقتصر في سب أبي بكر رضي الله عنه على الجلد الذي يقتصر عليه في جلد غيره؛ لأن ذلك الجلد لمجرد حق الصحبة، فإذا انضاف إلى الصحبة غيرها مما يقتضي الاحترام؛ لنصرة الدين وجماعة المسلمين، وما حصل على يده من الفتوح وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، كان كل واحد من هذه الأمور يقتضي مزيد حق موجب لزيادة العقوبة عند الاجتراء عليه (٤).

وعقوبة التعزير المشار إليها لا خيار للإمام فيها، بل يجب عليه فعل ذلك.

قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص. فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه، وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع) (٥).

فانظر أخي المسلم إلى قول إمام أهل السنة فيمن يعيب أو يطعن بواحد منهم، ووجوب عقوبته وتأديبه. ولما كان سبهم المذكور من كبائر الذنوب – عند بعض العلماء – فحكم فاعله حكم أهل الكبائر من جهة كفر مستحلها.

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ مبيناً حكم استحلال سب الصحابة: (ومن خص بعضهم بالسب، فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله؛ كالخلفاء، فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر؛ لتكذيبه ما ثبت قطعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكذبه كافر، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته، فقد تفسق؛ لأن سباب المسلم فسوق. وقد حكم البعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقاً والله أعلم) (٦).

وقال القاضي أبو يعلي – تعليقاً على قول الإمام أحمد رحمه الله حين سئل عمن شتم الصحابة، فقال: ما أراه على الإسلام – قال أبو يعلى: (فيحتمل أن يحمل قوله: ما أراه على الإسلام. إذا استحل سبهم، فإنه يكفر بلا خلاف. ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك مع اعتقاده لتحريمه، كمن يأتي بالمعاصي. ثم ذكر بقية الاحتمالات) (٧).

يتلخص مما سبق فيمن سب بعضهم سباً يطعن في دينه وعدالته، وكان ممن تواترت النصوص بفضله، أنه يكفر – على الراجح – لتكذيبه أمراً متواتراً. أما من لم يكفره العلماء، فأجمعوا على أنه من أهل الكبائر، ويستحق التعزير والتأديب، ولا يجوز للإمام أن يعفو عنه، ويزاد في العقوبة على حسب منزلة الصحابي. ولا يكفر – عندهم – إلا إذا استحل السب. أما من زاد على الاستحلال؛ كأن يتعبد الله عز وجل بالسب والشتم، فكفر مثل هذا مما لا خلاف فيه. ونصوص العلماء السابقة واضحة في مثل ذلك ...


(١) ((اللالكائي)) (٨/ ١٢٦٢ - ١٢٦٦)، ((الصارم المسلول)) (١/ ٥٧٧).
(٢) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٦/ ٩٣).
(٣) ((الشفا)) (٢/ ١١٠٨)، وعنه ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٦٩).
(٤) ((الصواعق المحرقة)) (ص: ٣٨٧).
(٥) ((طبقات الحنابلة)) (١/ ٢٤)، و ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٦٨).
(٦) ((فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)) لأحمد بن عبدالكريم نجيب (ص: ٢٨)، و ((الرد على الرافضة)) (ص: ١٩).
(٧) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٧١) وما قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>