للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن بين بطلان الحديث الذي نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: ((تقاتلين علياً وأنت ظالمة)) (١)، بيّن أن هذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة ولا له إسناده معروف وبين أنه إلى الموضوعات أشبه ثم قال بعد ذلك: (فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين ... لا قاتلت ولا أمرت بقتال هكذا ذكر غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار) (٢).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى مبيناً القصد الذي خرجت من أجله عائشة رضي الله عنها هي ومن معها: (والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين وكان رأي علي الاجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه) (٣).

فلا مقصد إذن من خروج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي ومن معها من الصحابة من مكة إلى البصرة إلا بغية الإصلاح بين المسلمين ولم تخرج لقتال ولا أمرت به ثم أيضاً: إن فكرة الصلح لم تكن عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي ومن معها فحسب بل كانت أيضاً: تجول في فكر علي رضي الله عنه ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم معنا قريباً أن علياً رضي الله عنه بعث إلى طلحة والزبير يقول: (إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر فأرسلا إليه: إنا على ما فارقنا عليه القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس) (٤) ولما كان جوابهم على علي رضي الله عنه بهذا (اطمأنت النفوس وسكنت واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم وبعثوا إليه محمد بن طلحة السجاد وعولوا جميعاً على الصلح وباتوا بخير ليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية) (٥). فهكذا كانت فكرة الصلح مسيطرة على عقول الجميع من الطرفين كما كانت هدفهم الذي يهدفون إليه حتى في وقت استعدادهم للقتال وفي أثناء تنظيم الجيوش.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: (ولما خرج طلحة والزبير نزلت مضر جميعاً وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم وهم لا يشكون في الصلح ونزلت اليمن أسفل منهم ولا يشكون في الصلح ... ونزل علي بحيالهم، فنزلت مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن فكان بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون إلا الصلح وكان أصحاب علي عشرون ألفاً، وخرج علي وطلحة والزبير فتوافقوا فلم يروا أمراً أمثل من الصلح ووضع الحرب فافترقوا على ذلك) (٦).


(١) لا أصل له.
(٢) ((منهاج السنة)) (٢/ ١٨٥).
(٣) ((فتح الباري)) (٧/ ١٠٨).
(٤) ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٦١).
(٥) انظر: ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٥٠٦)، ((الكامل لابن الأثير)) (٣/ ٢٤٢)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٦١).
(٦) ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٥٠٥)، ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٢٤١ - ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>