للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك: ما روى الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن أبي واقد الليثي أنه قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! إنها السنن، قلتم - والذين نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، لتركبن سنن من كان قبلكم)) (١). رواه مالك والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح - ولفظه ((لتركبن سنة من كان قبلكم)).

وقد قدمت ما خرجاه في (الصحيحين) - عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله، اليهود والنصارى؟، قال: فمن)) (٢).

وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتأخذن أمتي مأخذ القرون قبلها: شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قالوا: فارس والروم؟ قال: فمن الناس إلا أولئك)) (٣).

وهذا كله خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات.

فعلم أن مشابهتها اليهود والنصارى، وفارس والروم - مما ذمه الله ورسوله، وهو المطلوب، ولا يقال: فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك فما فائدة النهي عنه؟ لأن الكتاب والسنة - أيضاً - قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، ففي النهي عن ذلك تكثير هذه الطائفة المنصورة، وتثبيتها، وزيادة إيمانها، فنسأل الله المجيب: أن يجعلنا منها.

وأيضاً: لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة المنكرة، لكان في العلم بها معرفة القبيح، والإيمان بذلك، فإن نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خير، وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم، فإن الإنسان إذا عرف المعروف، وأنكر المنكر: كان خيراً من أن يكون ميت القلب، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(٤) رواه مسلم.

وفي لفظ: ((ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). (٥).

ومما يدل من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار: قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: ١٠٤] قال قتادة وغيره: (كانت اليهود تقوله استهزاء فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم) وقال أيضاً: (كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم، راعنا سمعك يستهزؤن بذلك، وكانت في اليهود قبيحة).


(١) [١٠٦١])) رواه الترمذي (٢١٨٠) وأحمد (٥/ ٢١٨) (٢١٩٥٠) وابن حبان (١٥/ ٩٤) والطبراني (٣/ ٢٤٤) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٣٤٦) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح, وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (٢/ ٥٤): [أشار في المقدمة إلى صحته] , وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٢) [١٠٦٢])) رواه البخاري (٧٣٢٠).
(٣) [١٠٦٣])) رواه البخاري (٧٣١٩).
(٤) [١٠٦٤])) رواه مسلم (٤٩). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٥) [١٠٦٥])) رواه مسلم (٥٠). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>