للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الآية أمر الله تعالى بالإصلاح بين المؤمنين إذا ما جرى بينهم قتال لأنهم إخوة وهذا الاقتتال لا يخرجهم عن وصف الإيمان حيث سماهم الله – عز وجل – مؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم وإذا كان حصل اقتتال بين عموم المؤمنين ولم يخرجهم ذلك من الإيمان فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اقتتلوا في موقعة الجمل وبعدها أول من يدخل في اسم الإيمان الذي ذكر في هذه الآية فهم لا يزالون عند ربهم مؤمنين إيماناً ولم يؤثر ما حصل بينهم من شجار في إيمانهم بحال لأنه كان عن اجتهاد (١).

(٢) روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة)) (٢).

فالمراد بالفئتين جماعة علي وجماعة معاوية، والمراد بالدعوة الإسلام على الراجح وقيل المراد اعتقاد كل منهما الحق (٣).

(٣) وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق)) (٤) والفرقة المشار إليها في الحديث هي ما كان من الاختلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقد وصف صلى الله عليه وسلم الطائفتين معاً بأنهما مسلمتان وأنهما متعلقتان بالحق. والحديث علم من أعلام النبوة (إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام من تكفيرهم أهل الشام، وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن علياً هو المصيب وإن كان معاوية مجتهداً وهو مأجور إن شاء الله ولكن علي هو الإمام فله أجران كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) (٥) (٦).

(٤) وروى البخاري بإسناده إلى أبي بكرة قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) (٧).

ففي هذا الحديث شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام الطائفتين أهل العراق وأهل الشام والحديث فيه رد واضح على الخوارج الذين كفروا علياً ومن معه ومعاوية ومن معه بما تضمنه الحديث من الشهادة للجميع بالإسلام ولذا كان يقول سفيان بن عيينة: (قوله: فئتين من المسلمين يعجبنا جداً) (٨) قال البيهقي: (وإنما أعجبهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماهما جميعاً مسلمين وهذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من الحسن بن علي بعد وفاة علي في تسليمه الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان) (٩).


(١) انظر: ((العواصم من القواصم)).
(٢) رواه أحمد (٢/ ٣١٣) (٨١٢١)، والبخاري (٧١٢١)، ومسلم (١٥٧).
(٣) ((فتح الباري)) (١٢/ ٣٠٣).
(٤) رواه أحمد (٣/ ٣٢) (١١٢٩٣)، مسلم (١٠٦٤).
(٥) رواه البخاري (٧٣٥٢).
(٦) ((البداية والنهاية)) لابن كثير (٧/ ٣٠٥).
(٧) رواه البخاري (٣٦٢٩).
(٨) ((السنن الكبرى)) للبيهقي (٨/ ١٧٣)، و ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (١٣/ ٢٣٣).
(٩) ((الاعتقاد للبيهقي)) (ص: ١٩٨)، وانظر: ((فتح الباري)) (١٣/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>