للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلى على جميع القتلى من الفريقين ودفن كثيراً منهم في قبر كبير (١) كل عمله هذا دل على إيمانه أنهم جميعاً كانوا يقاتلون اجتهاداً لا عناداً ولا شهوة، ولا شفاء خصومة كانت بينهم رضي الله عنهم أجمعين ومما ينبغي أن يعلم أن شهادة علي رضي الله عنه بالجنة للقتلى من الفريقين كما تقدم لا يدخل فيها من مرق عن الحق في إثارة الفتنة الأولى على عثمان كما لا يعد من إحدى الطائفتين اللتين وصفتا بأنهما متعلقتان بالحق وإن قاتل معها والتحق بها لأن الذين تلوثت أيديهم ونياتهم وقلوبهم بالبغي الظالم على أمير المؤمنين عثمان – كائناً من كانوا – استحقوا إقامة الحد الشرعي عليهم سواء استطاع ولي الأمر أن يقيم عليهم هذا الحد أو لم يستطع وفي حالة عدم استطاعته، فإن مواصلتهم تسعير نار الحرب بين صالحي المسلمين كلما أحسوا منهم بالعزم على الإصلاح والتآخي كما فعلوا في وقعة الجمل وبعدها يعد إصراراً منهم على الاستمرار في الإجرام ما داموا على ذلك، فإذا قال أهل السنة والجماعة: إن الطائفتين كانتا على الحق فإنما يريدون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا في الطائفتين ومن سار معهم على سنته صلى الله عليه وسلم من التابعين.

فالواجب على المسلم أن يسلك في اعتقاده فيما حصل بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم مسلك الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وهو الإمساك عما حصل بينهم رضي الله عنهم ولا يخوض فيه إلا بما هو لائق بمقامهم.

وكتب أهل السنة مملؤة ببيان عقيدتهم الصافية النقية في حق أولئك الصفوة المختارة وقد حددوا موقفهم من تلك الحرب التي وقعت بينهم في أقوالهم الحسنة التي منها.

(١) سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عن القتال الذي بين الصحابة فقال: (تلك دماء طهر الله يدي منها أفلا أطهر منها لساني مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها) (٢).

قال البيهقي معلقاً على قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (هذا حسن جميل لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب) (٣).

والمسلم مطلوب منه أن يتحرز من الوقوع في الخطأ، والحكم على بعض الصحابة بما لا يكون مصيباً فيه.

(٢) قال عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله تعالى في المقتتلين من الصحابة: (هم أهل الجنة لقي بعضهم بعضاً فلم يفر أحد من أحد) (٤).

(٣) سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم فقال: (قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا) (٥).

ومعنى قول الحسن هذا: (أن الصحابة كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا وما علينا إلا أن نتبعهم فيما اجتمعوا عليه، ونقف عندما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأياً منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله – عز وجل – إذ كانوا غير متهمين في الدين) (٦).

(٤) سئل جعفر بن محمد الصادق عما وقع بين الصحابة فأجاب بقوله: (أقول ما قال الله: عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي في كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى [طه: ٥٢]) (٧).


(١) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٥٣٨).
(٢) ((مناقب الشافعي)) للرازي (ص: ١٣٦)، و ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: ٦٩) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١٦/ ١٢٢)، ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٥/ ٣٩٤).
(٣) ذكره عنه الرازي في ((مناقب الشافعي)) (ص: ١٣٦).
(٤) ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٧/ ٣٠٣).
(٥) ذكره القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٦/ ٣٣٢).
(٦) ذكره القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٦/ ٣٣٢).
(٧) ذكره الباقلاني في كتابه ((الإنصاف)) (ص: ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>