للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٢) وروى البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: ((لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات)) (١) فهذه الأحاديث التي فيها تقديم الصديق رضي الله عنه في الصلاة على اختلاف رواياتها واضحة الدلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة وقد فهم هذه الدلالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(١٣) فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير قال: فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضي الله عنه فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر)) (٢).

(١٤) وروى ابن سعد بإسناده إلى الحسن قال: قال علي: ((لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر)) (٣).

وكما فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقديم الصديق في الصلاة أن ذلك إشارة إلى أنه أحق بالإمامة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كذلك فهم هذا الفهم من جاء بعدهم من أهل العلم، فقد قال أبو بكر المروذي: (قيل لأبي عبدالله – أحمد بن حنبل – قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم فلما مرض قال: قدموا أبا بكر يصلي بالناس)) (٤)، وقد كان في القوم من هو أقرؤ من أبي بكر فقال أبو عبدالله: إنما أراد الخلافة) (٥). وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: (وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سناً، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلاماً)) (٦) – قال ابن كثير – وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه) (٧).

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بعد أن ساق الأحاديث التي فيها تقديم أبي بكر الصديق في الصلاة: (فهذه الأخبار وما في معناها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يكون الخليفة من بعده أبو بكر الصديق فنبه أمته بما ذكر من فضيلته وسابقته وحسن أثره، ثم بما أمرهم به من الصلاة خلفه، ثم الاقتداء به وبعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على ذلك وإنما لم ينص عليه نصاً لا يحتمل غيره والله أعلم لأنه علم بإعلام الله إياه أن المسلمين يجتمعون عليه وأن خلافته تنعقد بإجماعهم على بيعته) اهـ (٨). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – ٢/ ٥٣٩


(١) رواه البخاري (٦٨١)، ومسلم (٤١٩).
(٢) رواه الحاكم (٣/ ٧٠). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٥١)، والألباني في ((تخريج السنة)) (١١٥٩).
(٣) رواه ابن سعد في ((الطبقات)) (٣/ ١٨٣).
(٤) رواه البخاري (٦٧٩)، ومسلم (٤١٨).
(٥) ((المسند من مسائل الإمام أحمد)) للخلال ورقة (٤٣) وهو مخطوط يوجد في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية. وانظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: ١٦٠).
(٦) رواه مسلم (٦٧٣). من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه.
(٧) ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٦٥).
(٨) ((الاعتقاد)) (ص: ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>