للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبد الله القرطبي: (وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ورووا لهم الخبر في ذلك فرجعوا وأطاعوا لقريش) (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في سياق رده على الرافضي: (فلما اتفقوا على بيعته ولم يقل قط أحد: إني أحق بهذا الأمر منه لا قرشي ولا أنصاري فإن من نازع أولاً من الأنصار لم تكن منازعته للصديق بل طلبوا أن يكون منهم أمير ومن قريش أمير وهذه منازعة عامة لقريش، فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة وقال لهم الصديق: (رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح قال عمر: فكنت والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) (٢)، وقال له بمحضر الباقين: (أنت خيرنا وأفضلنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٣) وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، ثم بايعوا أبا بكر من غير طلب منه، ولا رغبة بذلت لهم ولا رهبة، فبايعه الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة والذين بايعوه ليلة العقبة، والذين بايعوه لما كانوا يهاجرون إليه والذين بايعوه لما كانوا يسلمون من غير هجرة كالطلقاء وغيرهم، ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا من أبي بكر ولا قاله أحد في أحد بعينه أن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر وإنما قال من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية: إن بيت الرسول أحق بالولاية لأن العرب – في جاهليتها – كانت تقدم أهل الرؤساء وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي بل كان العباس عنده بحكم رأيه أولى من علي، فأما الذين لا يحكمون إلا بحكم الإسلام المحض وهو التقديم بالإيمان والتقوى فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر ولا خالف أحد من هؤلاء ولا هؤلاء وفي أنه ليس في القوم أعظم إيماناً وتقوى من أبي بكر فقدموه مختارين له مطيعين فدل على كمال إيمانهم وتقواهم واتباعهم لما بعث الله به نبيهم من تقديم الأتقى فالأتقى وكان ما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولهم أفضل لهم والحمد لله على أن هدى هذه الأمة وعلى أن جعلنا من أتباعهم) (٤).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (قد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على بيعة الصديق حتى علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما) (٥).

وقال يحيى بن أبي بكر العامري رحمه الله تعالى: (وقد كانت بيعته إجماعاً حجة قطعية من غيرهم فما ظنك بهم) (٦) فهذه النقول للإجماع عمن تقدم ذكره من الأئمة كلها وضحت أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لإجماع الصحابة على إمامته وانقيادهم له جميعاً وإطباقهم على مخاطبتهم له بالخلافة فقالوا بأجمعهم: يا خليفة رسول الله، وما حصل عليه الإجماع لا يكون إلا حقاً فهذا سبيل المؤمنين أهل السنة والجماعة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتبع سبيلا غيره. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – ٢/ ٥٥٠


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) (١/ ٢٦٤).
(٢) رواه البخاري (٦٨٣٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٣٦٦٧) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) ((منهاج السنة)) (٣/ ٢٦٩ - ٢٧٠).
(٥) ((البداية والنهاية)) (٦/ ٣٤٠).
(٦) ((الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة)) (ص: ١٤٢ - ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>