للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دل هذا الحديث دلالة صريحة على حقية خلافة عمر رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين)) بفتح الذال – أي الخليفتين اللذين يقومان من بعدي أبو بكر وعمر، فأمره صلى الله عليه وسلم بطاعتهما يتضمن الثناء عليهما لكونهما أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده وسبب الحث على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخير ولذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين (١).

(٤) روى الشيخان في (صحيحيهما) بإسناديهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينا أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله قال: العلم)) (٢).

ففي هذا الحديث إشارة إلى حقية خلافة عمر رضي الله عنه (والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر – وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها – مع طول مدته – الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله – واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافاً، والفتن إلا انتشاراً) (٣) فالحديث فيه إشارة واضحة إلى حقية خلافة الفاروق رضي الله عنه.

(٤) روى أبو داود وغيره من حديث الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ((من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (٤).

في هذا الحديث إشارة إلى ترتيب الثلاثة في الفضل فأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم جميعاً كما أن الحديث تضمن الإشارة إلى حقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه وقوله له في الحديث: ((فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وذلك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر (٥).


(١) انظر: ((فيض القدير)) للمناوي (٢/ ٥٦).
(٢) رواه البخاري (٨٢)، ومسلم (٢٣٩١). من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(٣) ((فتح الباري)) (٧/ ٤٦).
(٤) رواه أبو داود (٤٦٣٤)، والترمذي (٢٢٨٧)، وأحمد (٥/ ٤٤) (٢٠٤٦٣)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٤٣) (٨١٣٦)، والحاكم (٣/ ٧٤). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ١١٥): ثابت، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ٣٠٦) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٥) انظر: ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) (١٣/ ٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>