للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما ... )) والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. وهذه العبارة لا تستعمل إلا فيها ترك اجتماعهما كقوله تعالى:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا [الكهف: ٥٠].

وقوله صلى الله عليه وسلم ((خيراً منهما)) يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.

والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى وأخبروا إن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله على ما لا يخفى، إذ الشر الذي له فاعل موجود يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضي له قوي (١)

أما الإجماع: فما هو معلوم من السير أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم، ومع ذلك لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك.

وكذلك ما فعله عمر بخصوص أهل الذمة وما اتفق عليه الصحابة والفقهاء أن أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وإذا كان هذا اتفاقهم فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها؟

وقد قال عمر رضي الله عنه: (إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة تتنزل عليهم) رواه أبو الشيخ الأصبهاني ورواه البيهقي بإسناد صحيح (٢).

وأما الاعتبار: فالأعياد من جملة الشرع، والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة: ٤٨].

فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد: موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره.

ولا ريب: أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة (٣).

ثم إن عيدهم من الدين الملعون هو وأهله، فموافقتهم فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.

ومن أوجه الاعتبار أيضاً: (أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً لهم، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر) (٤).


(١) [١٠٨٧])) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص ١٨٤ – ١٨٦).
(٢) [١٠٨٨])) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٩/ ٢٣٤) (١٨٦٤٠) , وعبد الرزاق في ((المصنف)) (١/ ٤١١) , قال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٥١١) , وابن القيم في ((أحكام أهل الذمة)) (٣/ ١٢٤٧): إسناده صحيح, وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (٣/ ٤١٧) , وابن كثير في ((مسند الفاروق)) (٢/ ٤٩٤): إسناده صحيح.
(٣) [١٠٨٩])) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص ٢٠٨)
(٤) [١٠٩٠])) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>