للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمقصود الإمام أحمد الوالي المتغلب كما هو نص الرواية الأولى - لا في حالة الاختيار من قبل أهل الحل والعقد، ويدلّ على ذلك - بالإضافة إلى ما سبق - قوله أيضًا: (وإن الإمامة لا تجوز إلا بشروطها: النسب، والإسلام، والحماية، والبيت ... وحفظ الشريعة، وعلم الأحكام، وصحة التنفيذ والتقوى، وإتيان الطاعة، وضبط أموال المسلمين، فإن شهد له بذلك أهل الحل والعقد من علماء المسلمين وثقاتهم أو أخذ هو ذلك على نفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك) (١) فهذا يدلّ على أن الإمام أحمد يشترط كغيره العدالة والعلم في حالة الاختيار أما في حالة التغلب فلا يشترط ...

وهذا ما حدا بالأحناف ألا يعدوا العدالة من الشروط الواجبة وأجازوا أن يلي الفاسق أمر الأمة، لكنهم يكرهون ذلك (٢)، لأنه قد ثبت أن الصحابة صلّوا خلف أئمة الجور من بني أمية ورضوا بتقلدهم رئاسة الدولة.

والرد عليهم أن ذلك في حال التغلب لا في حال الاختيار كما مر. وهناك من يجعل الفسق موجبًا للعزل، وبناء عليه فلا تلزم إمامة المتغلب الفاسق بل العدل فقط، ...

وبهذا يتبين أن هذا الشرط واجب توفره في الإمام عند الاختيار دون التغلب لتضافر الأدلة على ذلك.

كما أنه مما ينبغي التنبيه له أنه ليس المقصود بالعدالة أن يكون المرشح للإمامة معصومًا في أقواله وأفعاله وتصرفاته، خاليًا من كل نقص، مبرَّءًا من كل عيب - كما تدَّعي الرافضة -، فهذه الصفات لا يدركها إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أكرمهم الله بالعصمة من الكبائر والذنوب وعدم إقرارهم على الصغائر إن وقعت منهم.

أما المسلم العادي فقد يقع في بعض الذنوب والآثام ولكنه سرعان ما يسترجع ويستغفر الله مما بدر منه ويعزم أن لا يعود، فهذه لا تخرم مروءته ولا تبطل عدالته.

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) (٣).

كما أن العدالة معتبرة في كل زمان بأهله وإن اختلفوا في وجه الاتصاف بها، فنحن نقطع بأن عدالة الصحابة لا تساويها عدالة التابعين، وعدالة التابعين لا تساويها عدالة من بعدهم، وكذلك كل زمان مع ما بعده إلى زماننا هذا، فلو قيس عدول زماننا بعدول الصحابة والتابعين لم يعدوا عدولاً لتباين ما بينهما من الاتصاف بالتقوى والمروءة، ولكن لا بد من اعتبار كل عدول زمان بحسبه، وإلا لم يمكن إقامة ولاية يشترط فيها العدالة التامة ... والله أعلم. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٢٥١


(١) [١٣٠٠٣])) ((طبقات الحنابلة)) (٢/ ٣٠٥).
(٢) [١٣٠٠٤])) انظر: ((المسامرة في شرح المسايرة)) (ص: ١٦٦، ١٦٧)، وانظر: ((حاشية رد المحتار على الدر المختار)) (١/ ٥٤٨).
(٣) رواه الترمذي (٢٤٩٩) , وابن ماجه (٤٢٥١) , والحاكم (٤/ ٢٧٢). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة, وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (٤٣٩): إسناده قوي. وحسّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>