للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... )) الحديث (١). وروي عن عمران بن سُليم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((من استعمل فاجرًا وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله)) (٢).

محاسبتهم:

هذا مع أن من واجب الإمام حسن اختيار ولاته والتدقيق والتحري في ذلك، فإن عليه أيضًا تتبُّع أخبارهم، ومحاسبتهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي حميد الساعدي ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل ابن اللتبية - وفي رواية الأتبية - على صدقات بني سُليم، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاسبه قال: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا؟ ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي. فهلاّ جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا؟ فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئًا - قال هشام: بغير حقه - إلا جاء الله يحمله يوم القيامة. ألا فَلأَعْرِفَنَّ ما جاء الله رجلٌ ببعير له رغاء، أو ببقرة لها خوار، أو شاة تَيْعَر (٣) - ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه - ألا هل بلغت؟)) (٤).

وعن الأحنف بن قيس - وكان أحد ولاة عمر رضي الله عنه - قال: (قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنَّا كنا لنُحَدَّث: إنما يهلك هذه الأمة كلُّ منافق عليم) (٥).

ثالثًا: الإشراف بنفسه على تدبير الأمور وتفقُّد أحوال الرعية:

أن الإمام هو المسؤول الأول عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة، ومع أنه يُشْرَع له اتخاذ الوزراء والأعوان على تدبير الأمور، إلا أنه يجب عليه أن يشرف بنفسه على هؤلاء الوزراء والأعوان، وأن لا يتَّكل عليهم، فعليه أيضًا أن يقوم بالإشراف على أحوال الرعية ويتفقد أحوالهم، وأن لا يحتجب عنهم حتى يعرف أوضاعهم، فيعين محتاجهم، وينصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، قال أبو يعلى في تعداده لواجبات الإمام: (العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، ليهتمَّ بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشُّ الناصح، وقد قال تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى [ص: ٢٦] فلم يقتصر سبحانه على التفويض دون المباشرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (٦).) (٧).


(١) [١٣١٨٠])) رواه البخاري (٨٩٣) ومسلم (١٨٢٩) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) [١٣١٨١])) ((مناقب عمر)) لابن الجوزي (ص: ٧٨). وقد عزاه السيوطي في ((جامع الأحاديث)) (٣١٤٧٥) إلى ((المداراة)) وقال: ولا يحضرني اسم مخرج إلا أنه قديم يكثر الرواية فيه عن أبي خيثمة. انظر: ((كنز العمال)) (٥/ ٧٦١) (١٤٣٠٦).
(٣) [١٣١٨٢])) شاة تيعر: أي: تصيح. واليعار صوت الغنم. وقيل: صوت المعزى، وقيل هو: الشديد من أصوات الشاء. ((لسان العرب)) (٥/ ٣٠١) مادة (يَعَرَ).
(٤) [١٣١٨٣])) رواه البخاري (٧١٩٧).
(٥) [١٣١٨٤])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٧/ ٩٤)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٢٤/ ٣١٠).
(٦) رواه البخاري (٥٢٠٠)، ومسلم (١٨٢٩). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٧) [١٣١٨٦])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>