للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) (١).

خامسًا: أن يكون قدوة حسنة لرعيته:

من طبيعة النفس البشرية أنها دائمًا مولعة بتقليد الأقوى سواء كان في الخير أو الشرّ، وحيث إن الإمام هو الذي في يده زمام السلطة والتدبير، فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه، لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه، ويقلِّدوه في سنَّته الحسنة، لأنَّ عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه، فإن أي صغيرة تبدو منه تتجسم لدى العامّة، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف، وقلَّ أن يردَّهم بعد ذلك نصح أو تخويف.

(ولذلك لما دخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصر كسرى وهو يتلوا قوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ [الدخان: ٢٥ - ٢٨] أرسل سعد كل ما في قصر كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس ويقول: إن قومًا أدُّوا هذا لأمناء. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعت) ثم قسم عمر ذلك في المسلمين (٢).

وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه في حديثه للأحمسية لما سألته: ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: (ما استقامت بكم أئمتكم) (٣).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم) (٤)، وقال: (الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا) (٥). لذلك كان من سيرته رضي الله عنه - كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال: (كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال: لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة) (٦).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه، هكذا قال عمر بن عبد العزيز، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك) (٧) الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٣٣٦ - ٣٧٣


(١) [١٣١٩٦])) رواه أبو داود (٤٨٨٨)، والطبراني (١٩/ ٣٦٥) (١٦٥٢٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٢/ ٢٥٠)، وابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (١/ ٣٠٠): إسناده صحيح، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٤٦٩) كما قال ذلك في المقدمة.
(٢) [١٣١٩٧])) ((الكامل في التاريخ)) (٢/ ٣٦٢)، و ((البداية والنهاية)) (٧/ ٧٨).
(٣) [١٣١٩٨])) رواه البخاري (٣٨٣٤).
(٤) [١٣١٩٩])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٢٩٢)، والبيهقي (٨/ ١٦٢) (١٦٤٢٨).
(٥) [١٣٢٠٠])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٢٩٢)، وابن أبي شيبة (٧/ ٩٤).
(٦) [١٣٢٠١])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٢٨٩)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٤٤/ ٢٦٨).
(٧) [١٣٢٠٢])) ((السياسة الشرعية)) (ص: ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>