للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو ذر لسلمة: (يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينك أفضل منه) (١).

وقال سعيد بن المسيب: (لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار بقلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة) (٢).

وروى الإمام أحمد عن معمر بن سليمان الرقي عن فرات بن سليمان عن ميمون بن مهران قال: (ثلاث لا تبلون نفسك بهن، لا تدخل على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك إلى ذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك من هواه) (٣).

والمراد من كل ما سبق هم سلاطين الجور والظلم، والنهي عن مخالطتهم وإتيانهم بقصد التقرب إليهم وحصول شيء من دنياهم.

وإعانتهم على ظلمهم قد تكون بمجالستهم ومؤازرتهم، وقد تكون بتبرير أخطائهم، بل قد تكون بالسكوت عنهم وعدم إنكار المنكر عليهم، وتكون بالدعاء لهم كما قيل: (من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه) (٤).

قال ابن تيمية: (وقد قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه لاق لهم دواة أو برى لهم قلمًا. ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم أزواجهم المذكورون في الآية) (٥).

يقصد قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ... [الصافات: ٢٢].

أما الدخول عليهم على سبيل النصح لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فهذا باب آخر ... كما أن خلفاء المسلمين العدول تجب مناصحتهم ومؤازرتهم ومشاركتهم في الرأي، وقد كان القراء هم أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته (٦).

وقد عقد الغزالي في (إحياء علوم الدين) بابًا فيما يحل من مخالطة السلاطين الظلمة وما يحرم، وحكم غشيان مجالسهم والدخول عليهم والإكرام لهم. فقال: (اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة ثلاثة أحوال (الحالة الأولى) وهي: شرها أن تدخل عليهم. (والثانية) وهي: دونها أن يدخلوا عليك. (والثالثة) وهي: الأسلم أن تعتزل عنهم فلا تراهم ولا يرونك ... ) (٧).

قال: (ولا يجوز الدخول إلا بعذرين:

أحدهما: أن يكون من جهتهم أمر إلزام لا أمر إكرام، وعلم أنه لو امتنع أُوذِي أو (فسد) (٨). عليهم طاعة الرعية واضطرب عليهم أمر السياسة، فيجب عليه الإجابة لا طاعة لهم بل مراعاة لمصلحة الخلق حتى لا تضطرب الولاية.

والثاني: أن يدخل عليهم في دفع ظلم عن مسلم سواه أو عن نفسه، إما بطريق الحسبة، أو بطريق التظلم فذلك رخصة بشرط ألا يكذب ولا يثني ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولاً، فهذا حكم الدخول) (٩).

... ويضاف إلى ما سبق أمر آخر وهو:

الثالث: الدخول عليهم بقصد مناصحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، كما دل عليه الحديث: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) (١٠) ...


(١) [١٣٢٧٠])) ((إحياء علوم الدين)) (٢/ ١٤٢).
(٢) [١٣٢٧١])) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٨/ ٥٧).
(٣) [١٣٢٧٢])) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٤/ ٨٥).
(٤) [١٣٢٧٣])) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٧/ ٤٦) عن الثوري.
(٥) [١٣٢٧٤])) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٦١).
(٦) [١٣٢٧٥])) رواه البخاري (٧٢٨٦).
(٧) [١٣٢٧٦])) ((إحياء علوم الدين)) (٢/ ١٤٢).
(٨) [١٣٢٧٧])) كذا ولعلها (فسدت).
(٩) [١٣٢٧٨])) ((إحياء علوم الدين)) (٢/ ١٤٥).
(١٠) رواه أبو داود (٤٣٤٤)، والترمذي (٢١٧٤)، وابن ماجه (٣٢٥٦)، وأحمد (٣/ ١٩) (١١١٥٩). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وحسن إسناده ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (١٩/ ١٨٠)، والعيني في ((عمدة القاري)) (١٥/ ٢٢٨)، وقال ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (١٦٩): حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>