للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك. فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم (١). ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا. هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي (٢) وغيرهما بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد (٣). ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد (٤). وغيره من أئمة السنة. كما ذكره في رسالة عبدوس وابن مالك والعطار. والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج (٥) وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة (٦) وكان يشرب الخمر حتى أنه صلى بهم مرة الصبح أربعا ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ولهذا رفعوه إلى عثمان (٧). وفي صحيح البخاري (أن عثمان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان. فقال: إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة. فقال: يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) (٨). ومثل هذا كثير. والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه. فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الرافضة والجهمية ونحوهم.


(١) [١٣٣٤٣])) ((المحيط البرهاني)) لبرهان الدين مازه (٢/ ١٠٢)، ((شرح فتح القدير)) للكمال بن الهمام (١/ ٣٥٠)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (١/ ٣٧٠)، ((المجموع)) (٤/ ٢٥١)، ((المغني)) (٢/ ١٤٩)، ((الإنصاف)) للمرداوي (٢/ ٢٥٤ - ٢٥٦)،
(٢) [١٣٣٤٤])) ((المجموع)) (٤/ ٢٥١)، ((المغني)) (٢/ ١٤٩).
(٣) [١٣٣٤٥])) ((المغني)) (٢/ ١٤٩)، ((الإنصاف)) (٢/ ٢٥٦).
(٤) [١٣٣٤٦])) ((المغني)) (٢/ ١٤٩)، ((الإنصاف)) (٢/ ٢٥٦).
(٥) [١٣٣٤٧])) رواه ابن أبي شيبة (٤/ ٣٤٠). وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (٥٢٥).
(٦) [١٣٣٤٨])) الحديث رواه أحمد (١/ ٤٥٠) (٤٢٩٨)، والطبراني (٩/ ٢٩٩) (٩٥٢٠). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٣٢٩): رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٦/ ١٤٦).
(٧) [١٣٣٤٩])) رواه بنحوه أحمد (١/ ١٤٤) (١٢٢٩)، والبيهقي (٨/ ٣١٨) (١٧٩٨٥). قال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٨) [١٣٣٥٠])) رواه البخاري (٦٩٥). من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>