للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- استنزال الرحمة من الله تعالى، لأن الطاعة والمعروف سبب للنعمة قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] وقال: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: ١٤٦ – ١٤٨]

وقال: وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل: ٤١ - ٤٢]. ومثل ذا كثير في الكتاب والسنة كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [الأعراف: ٩٦] وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ... [المائدة: ٦٦].

وقال عليه الصلاة والسلام: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً)) (١).

د- شد ظهر المؤمن وتقويته ورفع عزيمته، وإرغام أنف المنافق .. فإن المؤمن يقوى ويعتز حينما ينتشر الخير والصلاح ويوحد الله لا يشرك به، وتضمحل المنكرات على إثر ذلك، بينما يخنس المنافق بذلك، ويكون ذلك سبباً لغمه وضيق صدره وحسرته، لأنه لا يحب ظهور هذا الأمر ولا ذيوعه بين الخلق. كيف لو طولب هو بالتطبيق والعمل ومجانبة المنكر .. وألزم بما أظهر من الانتساب إلى الدين؟! لا شك أنه يتألم لذلك أشد الألم ويحزن بسببه أشد الحزن.

قال الثوري –رحمه الله-: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق) (٢).

هـ- بقيام المسلمين بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحصل لهم الطموح والترفع عن الدنايا، كما يحصل لهم الشعور بأنهم ربانيون يصلحون الناس، وحينئذ يكونون قدوة حسنة بصلاح أنفسهم وحسن استقامتهم، مما يجعلهم يحاسبون أنفسهم على أصغر زلة، وهذه بحد ذاتها فائدة عظيمة جداً اقتضتها حكمة الله في تهيئة هذه الأمة لقيادة غيرها من الأمم (٣).

وابتلاء الخلق بعضهم ببعض .. لأن هذا العمل بجميع مراتبه وأنواعه جهاد، وما قتال الكفار بالسيف والسنان إلا نوع من أنواعه.

قال تعالى: وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [محمد: ٤]. وبمثل هذه الابتلاءات يظهر إيمان المؤمن، وصبره على مكاره النفس في سبيل رضى ربه، ولأجل نشر دينه وشريعته.


(١) رواه الترمذي (٢٣٤٤)، وأحمد (١/ ٣٠) (٢٠٥)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٢/ ٦٦) (١١٨٢). من حديث عمر رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال ابن حبان في ((المقاصد الحسنة)) (٤٠٢): صحيح، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٣٢٨)، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٦٦) كما أشار لذلك في مقدمته. وقال محمد جار الله في ((النوافح العطرة)) (٢٧٥): صحيح.
(٢) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) للخلال (ص: ٦٧).
(٣) انظر: ((صفوة الآثار والمفاهيم)) (٤/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>