للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: ما كان زواله مؤثراً على صاحبه، كإتلاف المال، أو جزء له قيمة معتبرة منه، وهذا مسقط للوجوب (١).

وأما الجاه فهو على قسمين أيضاً وهما:

الأول: ما كان غير معتبر (٢)، وهو ما كان بنحو غيبة تقال فيه، أو لمز أمام أحد من الخلق، أو تجهيل .. أو نحو ذلك كأن يخرج من داره حاسر الرأس مثلا – وإن كان هذا يتفاوت ويختلف باختلاف الأعراف وتفاوتها – أو كأن يمنع من ركوب المراكب الفاخرة التي اعتاد ركوبها .. ونحو ذلك .. فهذا كله غير معتبر. وهذا هو الذي يعبر عنه بالجاه المحض.

الثاني: ما كان معتبراً، كأن يسود وجهه ويطاف به على حمار في السوق .. أو نحو ذا، فإن هذا يسقط الوجوب عنه .. وهو ما يعبر عنه بخوارم المروءة وليس كلها مسقطاً للوجوب (٣).

وأما التمثيل لما يخاف امتناع ما هو منتظر منها فكما يلي:

ففي جانب العلم: كأن يخشى الإنكار على معلمه أو من لو أنكر عليه لحال بينه وبين التعلم .. فيقال في هذا إن له ثلاثة أحوال.

الأولى: أن يجد غيره .. فهذا لا يسقط عنه الأمر والنهي .. فينكر عليه أو يأمره فإن امتنع من تعليمه ذهب وتعلم من غيره.

الثاني: أن لا يجد غيره لكن العلم الذي يتلقاه منه فرضاً في حقه فإن هذا أيضاً لا يسقط الوجوب عنه.

الثالثة: أن لا يجد غيره .. والعلم الذي يتعلمه منه فرض في حقه، كتعلم الوضوء والصلاة ونحو ذلك، فإن القول بسقوط الإنكار عنه متجه والله أعلم.

وأما في البدن: فكأن يترك الإنكار على الطبيب خوفاً من أن لا يداويه إذا اعتل .. أو خاف أن يتأخر عنه فتمتنع بسببه صحته المرتقبة ..

وأما في المال: فكتركه الحسبة على السلطان وأصحابه، وعلى من يواسيه من ماله خوفاً من أن يقطع إدراره في المستقبل ويترك مواساته.

وأما الجاه: فكتركه الحسبة على من يتوقع منه نصرة .. أو جاهاً في المستقبل .. فيخشى أن لا يحصل له ذلك الجاه .. أو كأن يخاف أن يقبح حاله عند السلطان الذي يتوقع منه ولاية. فإن هذا واللذين قبله لا يسقطان شيئاً من وجوب الحسبة لأن هذه زيادات امتنعت.

والذي يمكن أن يستثنى من ذلك هو ما تدعو إليه الحاجة ويكون في فواته محذور يزيد على محذور السكوت على المنكر. كما إذا كان محتاجاً إلى الطبيب لمرض ناجز والصحة منتظرة من معالجة الطبيب .. ويعلم أن في تأخره عنه شدة الضنا به وطول المرض .. وقد يفضي إلى الهلاك .. فإذا انتهى إلى هذا الحد لم يبعد أن يرخص له في ترك الحسبة.

مسألة: هل للإنسان أن يسكت عن الإنكار بيده أو بلسانه خوفاً على منصبه؟!

الجواب: أن صاحب هذا المنصب إن كان بقاؤه فيه لا يقدم نفعاً للمسلمين ولا لدعوتهم إما لطبيعته وإما لحال صاحبه أو غير ذلك، فإن هذا لا يجوز له أن يسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل بقاء هذا المنصب.

أما إن كان بقاؤه فيه ينتج منه مصالح للأمة .. وخدمات للدعوة إلى الله تعالى كالخطيب في منبره أو المعلم أو نحو ذلك .. فقد يسوغ له أن يسكت عن بعض الأمور إذا غلب على ظنه أن إنكاره لها يكون سبباً في إبعاده عن هذا المنصب.

أما إن كان يؤدي إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكلية فهذا لا يظهر وجهه والله أعلم.

وبالجملة فإن الأمور تقدر بقدرها ولكل حالة حكم والله المستعان.

لكن ينبغي الحذر من مداخل الهوى في هذا الباب، فقد يصور المرء لنفسه أن منصبه مهم لخدمة الدعوة ومصلحتها وإنما الذي يحركه في ذلك هواه.


(١) انظر: ((تنبيه الغافلين)) (ص: ٩٧).
(٢) انظر: ((تنبيه الغافلين)) (ص: ٩٧).
(٣) انظر: ((تنبيه الغافلين)) (ص: ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>