للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أفاض الغزالي القول في ذلك ونقتطف مما قال: الشرط الخامس: كونه قادراً، ولا يخفى أن العاجز ليس عليه حسبة إلا بقلبه، إذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها. ثم قسم الاستطاعة إلى أحوال منها قوله:

أحدها: أن يعلم أنه لا ينفع كلامه، وأنه يضرب إن تكلم، فلا تجب عليه الحسبة، بل ربما تحرم في بعض المواضع، نعم يلزمه أن لا يحضر مواضع المنكر ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب ..

الحالة الثانية: أن يعلم أن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يقدر له على مكروه فيجب عليه الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة.

الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره ولكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها. ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام، وتذكير الناس بأمر الدين.

الحالة الرابعة: أن يعلم أنه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله كما يقدر على أن يرمي زجاجة الفاسق، بحجر فيكسرها ويريق الخمر .. ولكن يعلم أنه يرجع إليه فيضرب رأسه. فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب (١).

ثانياً: الجانب المعنوي:

فيشترط في المحتسب أن يكون عالماً عارفاً بأحكام الشرع وعالماً بالمنكرات، فيعلم مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها. حيث إن الحسبة أمر بمعروف ونهي عن منكر، فلابد أن يعرف حدود المعروف وحدود المنكر فإذا كان عالماً فإنه يعرف مراتب كل منهما.

يقول الشيرازي: لما أن كانت الحسبة أمراً بمعروف ونهياً عن منكر وإصلاحاً بين الناس وجب أن يكون المحتسب فقيهاً عارفاً بأحكام الشريعة؛ ليعلم ما يأمر به وينهى عنه. فإن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، ولا مدخل للعقول في معرفة المعروف والمنكر إلا بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ورب جاهل يستحسن بعقله ما قبحه الشرع، ويرتكب المحظور وهو غير عالم به .. (٢).

وقال الإمام النووي –رحمه الله-: إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها. وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء (٣).

إذاً فليس على العامي إنكار فيما يحتاج إلى علم أو اجتهاد بل يسقط عنه الأمر والنهي في هذه الحالة. ولكن يلزمه أن ينكر الأمور التي لا يعذر أحد بجهلها كترك الصلاة وفعل الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك.

يقول الغزالي: العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليات المعلومة، كشرب الخمر، والزنا، وترك الصلاة، فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى الاجتهاد فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه (٤). الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – بتصرف - ص ٤٩٩


(١) ((إحياء علوم الدين)) الغزالي م٣ (٧/ ٢٦) باختصار.
(٢) ((نهاية الرتبة في طلب الحسبة)) عبد الرحمن الشيرزي (ص: ٦) تحقيق السيد الباز العريني – دار الثقافة بيروت ١٣٦٥هـ.
(٣) ((شرح صحيح مسلم)) النووي (١/ ٥١).
(٤) ((إحياء علوم الدين)) الغزالي م٣ (٧/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>