للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب فقال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً [النساء:٦٩] .... وأفضل الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:١١٠] وقال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:٣٢] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في المسند ((أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)) (١) وأفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرن الأول. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال ((خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) وهذا ثابت في الصحيحين من غير وجه (٢). وفي الصحيحين أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (٣). والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل من سائر الصحابة قال تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ والسابقون الأولون الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا والمراد بالفتح صلح الحديبية فإنه كان أول فتح مكة وفيه أنزل الله تعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فقالوا يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: ((نعم)) (٤). وأفضل السابقين الأولين الخلفاء الأربعة وأفضلهم أبو بكر ثم عمر وهذا هو المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الأمة وجماهيرها وبالجملة اتفقت طوائف السنة والشيعة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها واحد من الخلفاء ولا يكون من بعد الصحابة أفضل من الصحابة وأفضل أولياء الله تعالى أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به وعملا به فهو أفضل أولياء الله إذ كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم وأفضلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أبو بكر رضي الله عنه.

وقد ظن طائفة غالطة أن خاتم الأولياء أفضل الأولياء قياسا على خاتم الأنبياء ولم يتكلم أحد من المشايخ المتقدمين بخاتم الأولياء إلا محمد بن علي الحكيم الترمذي فإنه صنف مصنفا غلط فيه في مواضع ثم صار طائفة من المتأخرين يزعم كل واحد منهم أنه خاتم الأولياء ومنهم من يدعي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من جهة العلم بالله وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله من جهته كما يزعم ذلك ابن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية وكتاب الفصوص فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع أنبياء الله تعالى وأوليائه كما يقال لمن قال: فخر عليهم السقف من تحتهم لا عقل ولا قرآن.

ذلك أن الأنبياء أفضل في الزمان من أولياء هذه الأمة والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام أفضل من الأولياء فكيف يكون الأنبياء كلهم؟ والأولياء إنما يستفيدون معرفة الله ممن يأتي بعدهم ويدعي أنه خاتم الأولياء وليس آخر الأولياء أفضلهم كما أن آخر الأنبياء أفضلهم؛ فإن فضل محمد صلى الله عليه وسلم ثبت بالنصوص الدالة على ذلك الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية – ص١٨٦


(١) [١٤١٦٣])) رواه أحمد ٥/ ٣ قال ابن تيمية: ((الجواب الصحيح)) (٢/ ٢٣٢): جيد. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (١٠/ ٤٠٠): رجاله ثقات.
(٢) [١٤١٦٤])) ينظر البخاري (٢٦٥١، ٢٦٥٢،) ومسلم (٢٥٣٣، ٢٥٣٥، ٢٥٣٤).
(٣) [١٤١٦٥])) رواه البخاري (٣٦٧٣) ومسلم (٢٥٤٠).
(٤) [١٤١٦٦])) رواه مسلم (١٧٨٥) من حديث سهل بن حنيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>