(الرابع) أن الكشف والتأثير إما أن يكون فيه فائدة أو لا يكون، فإن لم يكن فيه فائدة كالإطلاع على سيئات العباد وركوب السباع لغير حاجة والاجتماع بالجن لغير فائدة والمشي على المائع مع إمكان العبور على الجسر فهذا لا منفعة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو بمنزلة العبث واللعب وإنما يستعظم هذا من لم ينله وهو تحت القدرة والسلطان في الكون مثل من يستعظم الملك أو طاعة الملوك لشخص وقيام الحالة عند الناس بلا فائدة، فهو يستعظمه من جهة سببه لا من جهة منفعته كالمال والرياسة، ودفع مضرة كالعدو والمرض، فهذه المنفعة تنال غالباً بغير الخوارق أكثر مما تنال بالخوارق، ولا يحصل بالخوارق منها إلا القليل، ولا تدوم إلا بأسباب أخرى. وأما الآخر أيضاً فلا يحصل بالخوارق إلا مع الدين، والدين وحده موجب للآخرة بلا خارق، بل الخوارق الدينية الكونية أبلغ من تحصيل الآخرة، كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك المال والرياسة التي تحصل لأهل الدين بالخوارق، إنما هو مع الدين وإلا فالخوارق وحدها لا تؤثر في الدنيا إلا أثراً ضعيفاً.
فإن قيل: مجرد الخوارق أن لم تحصل بنفسها منفعة لا في الدين ولا في الدنيا فهي علامة طاعة النفوس له، فهو موجب الرياسة والسلطان، ثم يتوسط ذلك فتجتلب المنافع الدينية والدنيوية، وتدفع المضار الدينية والدنيوية.
المنافع الدينية والدنيوية بأسبابهما أعم وأعظم منها بالخوارق:
قلت: نحن لم نتكلم إلا في منفعة الدين أو الخارج في نفسه من غير فعل الناس. وأما إن تكلمنا فيما يحصل بسببها من فعل الناس فنقول، أولاً: الدين الصحيح أوجب لطاعة النفوس وحصول الرياسة من الخارق المجرد كما هو الواقع، فإنه لا نسبة لطاعة من أطيع لدينه إلى طاعة من أطيع لتأثيره، إذ طاعة الأول أعم وأكثر، والمطيع بها خيار بني آدم عقلا ودينا، وأما الثانية فلا تدوم ولا تكثر ولا يدخل فيها الاجهال الناس، كأصحاب مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي ونحوهم وأهل البوادي والجبال ونحوهم ممن لا عقل له ولا دين.
ثم نقول ثانيا: لو كان صاحب الخارق يناله من الرياسة والمال أكثر من صاحب الدين لكان غايته أن يكون ملكاً من الملوك، بل ملكه أن لم يقرنه بالدين فهو كفرعون وكمقدمي الإسماعيلية ونحوهم، وقد قدمنا أن رياسة الدنيا التي ينالها الملوك بسياستهم وشجاعتهم وإعطائهم أعظم من الرياسة بالخارق المجرد، فإن هذه أكثر ما يكون مدة قريبة.
أسباب الكشف والتأثير الخارق للعادة ومضارهما:
(الخامس) أن الدين ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ويدفع عنه مضرة الدنيا والآخرة من غير أن يحتاج معه إلى كشف أو تأثير.