للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأحوال الشيطانية حال (عبد الله بن صياد)، الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه كان من جنس الكهان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد خبأت لك خبئا)) قال: ((الدخ الدخ))، وقد كان خبأ له سورة الدخان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)) (١)، يعني إنما أنت من إخوان الكهان، والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب، كما هو في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الملائكة تنزل في العنان – وهو السحاب – فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مئة كذبة من عند أنفسهم)) (٢).

وهذا المسيح الدجال الذي هو أعظم فتنة تمر على البشرية في تاريخها، حتى حذر جميع الأنبياء منه أممهم، وحتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: فيما رواه أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: ((من سمع الدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يبعث به من الشبهات)) (٣)، وسوف يأتي بأعظم الخوارق:

فمنها: ما رواه حذيفة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار)) (٤).

ومنها: أنه يستعين بالشياطين؛ فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ((وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه؛ فإنه ربك)) (٥).

ومن فتنته أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الخرائب أن تخرج كنوزها المدفونة فتستجيب.

ومن فتنته أنه يقتل ذلك الشاب المؤمن فيما يظهر للناس، ثم يدعي أنه أحياه، فيقول ذلك الشاب: ((والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم)) (٦).

يقول شيخ الإسلام في شأن أصحاب الأحوال الشيطانية:

(وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم، وتتمثل لهم، وهي جن وشياطين، فيظنونها ملائكة؛ كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام.

وكان من أول ما ظهر من هؤلاء في الإسلام: المختار بن أبي عبيد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في (صحيحه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سيكون في ثقيف كذاب ومبير)) (٧)، وكان الكذاب: المختار بن أبي عبيد. والمبير: الحجاج بن يوسف، فقيل لابن عمر وابن عباس: إن المختار يزعم أنه ينزل إليه، فقالا: صدق، قال الله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢].


(١) [١٤٢٢٢])) رواه البخاري (١٣٥٤) , ومسلم (٢٩٣٠) , من حديث عبد الله بن عمر.
(٢) رواه البخاري (٣٢١٠).
(٣) رواه أبو داود (٤٣١٩) سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (٤٣١٩).
(٤) رواه مسلم (٢٩٣٤).
(٥) رواه ابن ماجه (٤٠٧٧) قال ابن كثير ((تفسير القرآن)) (٢/ ٤١١): غريب جداً من هذا الوجه. وضعفه الألباني في ((ضعيف ابن ماجه)) (٨١٤).
(٦) رواه البخاري (٧١٣٢) , ومسلم (٢٩٣٨). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٧) رواه مسلم (٢٥٤٥) والترمذي (٢٢٢٠) والإمام أحمد ١/ ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>