للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورد كذلك أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه، فعن حذيفة قال: ((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده, وأنَّا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به. فأخذت بيده. والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها)) (١).

ففي الحديث دلالة على أن الشيطان يستحل الطعام بالأكل منه إذا لم يذكر اسم الله عليه، وقد كان الشيطان وراء تلك الجارية والأعرابي، يدفعهما بسرعة إلى الطعام، بحيث لا يذكرون اسم الله عليه، فبذلك يأكل الشيطان معهما من الطعام، ولذلك نزع عليه الصلاة والسلام أيديهما من الطعام، وذكر اسم الله، ثم أكل.

وأما القول الثاني الذي يقول: إن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهو قول لا دليل عليه، وهو مخالف للأحاديث الصريحة، الدالة على أكل الجن وشربهم، يقول القاضي بدر الدين الشبلي: (فالقائلون أن الجن لا تأكل ولا تشرب، إن أرادوا أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهذا قول ساقط، لمصادمته الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا أن صنفاً منهم لا يأكلون ولا يشربون، فهو محتمل، غير أن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون) (٢).

ولكنه قد حصل خلاف بين العلماء في كيفية أكلهم وشربهم.

فقال بعضهم: (إن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح، لا مضغ وبلع).

وقال آخرون: (إن أكلهم وشربهم مضع وبلع) (٣)، والذي تشهد له الأحاديث أن أكل الجن وشربهم مضغ وبلع، لا تشمم واسترواح كما قال بعضهم، فقد روى أبو داود عن أمية بن مخشي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه)) (٤).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن وفداً من نصيبين سألوني الزاد، فلا تستنجوا بعظم ولا روثة، فإنهما طعام إخوانك من الجن، فقالوا: وما يغني ذلك عنهم؟ قال: لا يمرون بعظم إلا وجدوا عليه عرقة، ولا يمرون بروثة إلا وجدوا عليها طُعماً)) (٥).

ولو كان أكلهم تشمماً واسترواحاً لما سألوه الزاد ولاكتفوا بالعظم وحده. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أنهم يأكلون ويشربون حقيقة، والله أعلم. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات - ص ٤٦


(١) رواه مسلم (٢٠١٧).
(٢) ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: ٣٥).
(٣) ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: ٢٨).
(٤) رواه أبو داود (٣٧٦٨)، وأحمد (٤/ ٣٣٦) (١٨٩٨٣)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٤/ ١٧٤) (٦٧٥٨)، والطبراني (١/ ٢٩١) (٨٥٥)، والحاكم (٤/ ١٢١). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ١٥٢).
(٥) الحديث من زيادات رزين. وينظر جامع الأصول٧/ ١٤٦. والحديث أخرجه مسلم (٤٥٠) من حديث ابن مسعود بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>