للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كثير: (وفي هذا دلالة على أنه تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين: الجن والإنس، حيث دعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين, وتكليفهم, ووعدهم, ووعيدهم, وهي سورة الرحمن، ولهذا قال: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) (١).

ب- قوله تعالى في سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا – إلى قوله -: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: ١ - ١٥].

وقد جاءت هذه الآيات إخباراً للرسول عليه الصلاة والسلام باستماع نفر من الجن إليه وهو يقرأ القرآن بأصحابه، وذلك بعد أن منع الجن من استراق أخبار السماء، فعرفوا أن هذا المنع ما حصل إلا لشيء قد حدث في الأرض، فجابوا الأرض، فكان النفر الذين أخذوا نحو تهامة في بلاد الحجاز قد مروا على الرسول عليه السلام وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم منذرين، فأنزل الله تعالى إلى نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ [الجن: ١] (٢) الآية ولم يكن يعلم باستماعهم إليه على الراجح من الروايات في ذلك، وظاهر القرآن يدل عليه.

وقد دلت هذه الآيات على إيمانهم بالقرآن وأخذهم عهداً على أنفسهم أن لا يشركوا بالله، وذلك في قوله تعالى عنهم: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: ١ - ٢]، وقوله عنهم: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ [الجن:١٢]. ففي إيمانهم بالقرآن، ووصفهم له بأنه يهدي إلى الرشد، وعدم إشراكهم بالله، دلالة على أنهم مكلفون، وكذلك مسارعتهم لاستماعه، وذلك في قوله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:١٩]. أي: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقرأ القرآن اجتمع الجن عليه متلبدين متراكمين، حرصاً على ما جاء به من الهدى (٣). فقد كانوا فرحين حريصين متأملين عند سماعهم للقرآن، وفي هذا دلالة على كمال عقولهم, وهو يقتضي التكليف، وقد وردت آيات كثيرة تخاطب العقل كقوله تعالى: أَفَلاَ تَعْقِلُونَ , وقوله: أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ , وقوله: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر: ٢]. وفي هذا دلالة على توجه الخطاب للعاقل، وقد تقدم أن الجن مخلوقات عاقلة مريدة مختارة، عندها القدرة على التمييز بين الحق والباطل.

٣ - ما يتضمن التصريح بإرسال رسل إليهم:

قال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا [الأنعام: ١٣٠].


(١) ((مختصر تفسير ابن كثير)) (٣/ ٣٨٧).
(٢) الحديث رواه البخاري (٧٧٣). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) ((تفسير كلام المنان)) (٧/ ٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>