للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثالث: القائلون بأن في الجن رسلاً منهم، وهو قول الضحاك، وذكر القرطبي ذلك عن مقاتل رحمه الله فقال: (وقال مقاتل والضحاك: أرسل الله رسلاً من الجن كما أرسل من الإنس) (١). وذكر الإمام الطبري أنه يوجد غير الضحاك من القائلين بهذا القول فقال: (وأما الذين قالوا بقول الضحاك فإنهم قالوا: إن الله أخبر أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم) (٢). فلعل ابن جرير قصد مقاتلاً رحمه الله. ونقل الألوسي أن الذين ذكروا بأن من الجن أنبياء منهم قد صرحوا بأن رسولاً منهم يسمى يوسف (٣). وقال ابن حزم: (ولم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس الجن من قوم إنسي، وباليقين ندري أنهم قد أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) (٤).

أدلة هذا الفريق:

استدل هذا الفريق على ما ذهب إليه بما يلي:

١ - قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ.

قال الشوكاني: (وظاهره أن الله بعث في الدنيا إلى الجن رسلاً منهم، كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم) (٥). وقال ابن حجر الهيتمي: (وظاهر القرآن يشهد للضحاك، والأكثرون في خلافه) (٦). وقال الألوسي: (وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم) (٧).

ووجه استدلال الضحاك بهذه الآية: أن الله خاطب الجن والإنس بأنه قد بعث إليهم رسلاً منهما، بدليل قوله تعالى: مِّنكُمْ وهو يقتضي بعث الرسل إلى الجن منهم وبعث الرسل إلى الإنس منهم كذلك.

٢ - وذكر الفخر الرازي أن الضحاك احتج بقوله بإرسال الرسل إلى الجن منهم بقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤]. ويقول: (ويمكن أن يحتج الضحاك بوجه آخر وهو قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [الأنعام: ٩]. قال المفسرون: السبب في استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك، فوجب في حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس ليكمل هذا الاستئناس، إذا ثبت هذا المعنى فهذا السبب حاصل في الجن، فوجب أن يكون رسول الجن من الجن) (٨).

٣ - قال ابن حجر الهيتمي: (وما يدل لما قاله الضحاك ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: ١٢]. قال: سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى) (٩) (١٠).

٤ - ذكر ابن نجيم أن الضحاك وابن حزم احتجا على أنه كان من الجن نبي بقوله عليه الصلاة والسلام: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) (١١) الحديث. قال: (وليس الجن من قومه، ولا شك أنهم أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم) (١٢).

القول الراجح: يتبين لنا مما تقدم من أدلة الفريقين أن قول الجمهور هو القول الراجح، وذلك للأدلة التي اعتمدوا عليها .. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات – ص: ٢٠٩


(١) ((تفسير القرطبي)) (٧/ ٨٦).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٨/ ٣٦).
(٣) ((تفسير روح المعاني)) (٨/ ٢٨).
(٤) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٣/ ٢٦٤).
(٥) ((تفسير فتح القدير)) (٢/ ١٦٣).
(٦) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٦٦).
(٧) ((تفسير روح المعاني)) (٨/ ٢٨).
(٨) ((التفسير الكبير)) (١٣/ ١٩٥).
(٩) رواه الحاكم (٢/ ٥٣٥). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(١٠) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٦٦).
(١١) رواه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١).
(١٢) ((الأشباه والنظائر)) (ص: ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>