للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى عن إبليس عليه اللعنة: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: ٣٩ - ٤٢].

وقال: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً [الإسراء: ٦٥].

إن هذه الآيات التي سقناها تبين لنا أن دعوة الشيطان للضلال والفساد إنما تثمر مع الذين يعرضون عن ذكر الله, ويتركون السلاح الذي أمر الله بالتسلح به ضد وساوس الشيطان ومراوغاته التي لا تهدأ لجر هذا الإنسان إلى الهاوية، أما المؤمنون فقد عرفوا السلاح الذي به يقاومون هذا التسلط، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف: ٢٠١]. وقال: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: ٢٠٠].

والطائف هو الوسوسة أو مبدؤها، وهو إذا مس المؤمنين تذكروا فإذا هم مبصرون، فلا يقعون في فخ طاعته، قال محمد رشيد رضا: (والنفس الزكية الفطرة، المستقيمة لله تعالى بهداية الكتاب والسنة لا يكاد الشيطان يصلها، وإذا طاف بها طائف من وسوسته في حال الغفلة كان هو المذكر لها، فإذا هي مبصرة قائمة بما يجب عليها، فمثلها في عدم تأثير الوسوسة فيها أو عدم إفسادها لها كمثل البدن القوي في عدم استعداده لفتك جراثيم الأمراض به، كما أن النفس الفاسدة الفطرة بالشرك أو النفاق والمعاصي وسوء الأخلاق تكون مستعدة لطاعة الشيطان، كاستعداد البدن الضعيف والمزاج الفاسد لتأثير ميكروبات الأمراض، ومن الأرواح والأبدان ما ليس في منتهى القوة ولا غاية الضعف، فكل منها يتأثر بقدر استعداده، وتكون عاقبة السلامة إن كان أقرب إلى الصحة والقوة، والهلاك إن كان بضد ذلك) (١).

فكلما قوي الإيمان كلما ازداد الشيطان بعداً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إيها يا ابن الخطاب: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك)) (٢) .. وقال أيضاً: ((إن الشيطان ليفرق منك يا عمر)) (٣) وقال: ((إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فروا من عمر)) (٤).


(١) ((تفسير المنار)) (٧/ ٥١٤).
(٢) رواه البخاري (٣٦٨٣). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(٣) رواه الترمذي (٣٦٩٠)، وأحمد (٥/ ٣٥٣) (٢٣٠٣٩)، وابن حبان (١٥/ ٣١٥) (٦٨٩٢)، والبيهقي (١٠/ ٧٧) (١٩٨٨٨). من حديث بريدة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٤٥) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (٥/ ٢٥٢).
(٤) رواه الترمذي (٣٦٩١)، والنسائي (٥/ ٣٠٩). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٣/ ٤٩٣): (فيه) خارجة بن عبد الله بن سليمان وهو عندي لا بأس به وبرواياته، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>