للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ- فقال قوم: لم تكن ترمى الجن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام. وقد نسب النسفي هذا القول للجمهور فقال: (والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) (١).

قال القرطبي: (وقال الكلبي وقوم: لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه خمسمائة عام، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث منعوا من السموات كلها وحرست بالملائكة والشهب، ومنعت من الدنو من السماء، وبه قال عطية العوفي عن ابن عباس، وهذا قول عبد الله بن سابور. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب) (٢).

ومما يؤيد هذا القول ما ورد عن ابن عباس قال: (كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوه فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين – أراه قال: بمكة – فلقوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض) (٣).

وذكر القرطبي وجها آخر عن ابن عباس قال: (وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعاً، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا أرادوا شيئاً مما قالوه صدقوهم مما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب) (٤).

وفي هذا دليل على أن الشياطين لم تكن ترمى بالشهب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام.

وتمسك من قال بأن الشهب لم يكن يرمى بها أيضاً قبل بعثة الرسول عليه السلام بظاهر قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [الجن: ٩].

إذ قد دل على أن الجن لم تكن ترمى قبل المبعث حيث رتب الرمي على الاستماع بعد المبعث.

وقد أنكر الجاحظ الرمي قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنكر كل شعر ورد في الرمي فقال: (كل شعر روي فيه فهو مصنوع) (٥).

ب- وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً.

فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب –أي السبب الذي من أجله منعوا من استراق السمع – إنما كان لكثرة الرجم، ومنعهم عن الاستراق بالكلية (٦).

وقيل: إنما زاد الرمي إنذاراً بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام (٧).

قال القرطبي: (وقال أوس بن حجر – وهو جاهلي:

فأنقض كالدري يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا (٨))


(١) ((تفسير النسفي)) (٥/ ٢٧٢).
(٢) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ١٢).
(٣) رواه الترمذي (٣٣٢٤)، وأبو يعلى (٤/ ٣٨٢) (٢٥٠٢)، والطبراني (١٢/ ٤٦) (١٢٤٣١). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (١٠/ ١٠).
(٥) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ١٣).
(٦) ((تفسير الخازن)) (٤/ ٣١٧) ((تفسير فتح القدير)) (٥/ ٣٠٦).
(٧) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ١٣).
(٨) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>