للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [الجن: ٩]. فإنما يحمل على التشديد في حراسة السماء، فكل من يحاول من الشياطين استراق السمع بعد المبعث، فإن له شهاباً رصداً يرمى به، وذلك صيانة للوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن يصل الشياطين إلى شيء منه.

وعلى هذا يحمل قول ابن إسحاق المتقدم كذلك، فإن استغراب الحي من ثقيف وفزعهم للرمي إنما كان لكثرته وشدته.

واختلف العلماء: هل كانت الشهب تأخذ الجن قبل استراق السمع أم بعد استراقهم؟

١ - فذهب بعضهم إلى أن الشهب تأخذهم قبل استراق السمع حتى لا يصل إليهم لانقطاع الكهانة بهم، وتكون الشهب منعاً من استراقه (١).

٢ - وذهب آخرون منهم إلى أن الشهب تأخذهم بعد استراقه، وتكون الشهب عقاباً على استراقه (٢).

وبناء على ما تقدم: هل يقتل الشهاب الجني عند رميه به أم لا يقتله؟

أ- فقال ابن عباس: (الشهاب يجرح, ويحرق, ويخبل, ولا يقتل، ولذلك عادوا لاستراق السمع بعد الإحراق، ولولا بقاؤهم لانقطع الاستراق بعد الاحتراق، ويكون ما يلقونه من السمع إلى الجن دون الإنس لانقطاع الكهانة عن الإنس) (٣).

ب- وقال الحسن وطائفة: (الشهاب يقتل بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن)، قال الشوكاني: (ذكره الماوردي ثم قال: والقول الأول أصح) (٤).

وظاهر القرآن أن الرمي يكون بعد الاستراق لعطفه عليه بالفاء الدالة على التعقيب في قوله تعالى: إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [الحجر: ١٨]. وقوله: إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: ١٠] .. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات - ص٣٤٣


(١) ((أعلام النبوة)) (ص: ١٤٥).
(٢) ((أعلام النبوة)) (ص: ١٤٥).
(٣) ((تفسير فتح القدير)) (٣/ ١٢٥) ((أعلام النبوة)) (ص: ١٤٥).
(٤) ((تفسير فتح القدير)) (٣/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>