للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقرر هذه الآية الكريمة مبدأ (الولاء) بين المؤمنين والمؤمنات، وهو مبدأ أوسع من المبدأ السابق الذي هو (التآخي). وما التآخي إلا جزء من الولاء، قال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني في تعريف الولاء: (الولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً) (١).

وإن كان رابط التآخي قد وهن بين المسلمين فهذا الموضوع -وهو الولاء- قد وهن وضعف من باب أولى وذلك لأسباب أهمها:

الأول: تفرق المسلمين إلى فرق وشيع وأحزاب حيث أصبح مبدأ الولاء مرتبطاً بالحزب والجماعة لا بالإسلام وهذا غبش في التصور.

يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: (وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي وغشيت المسلمين بسببها الغواشي) (٢).

الثاني: تكالب المسلمين على الدنيا وتنافسهم عليها مما سبب بينهم الأحقاد والحسد فأصبحت علاقات الناس مبنية على أمور الدنيا ومصالحها الزائلة وهذا انقلاب في المفاهيم.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من التنافس على الدنيا وعلل ذلك بأنه سبب للهلاك، وأخبر بأن هذا الأمر قد وقع في الأمم السابقة.

ففي الحديث الذي رواه عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أبشروا، وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) (٣).

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) (٤).

وقد علق الشيخ محمد القحطاني على هذا الأثر –المنقول عن ابن عباس- بقوله: (وفي عصرنا الحاضر عصر المادة والدنيا قد أصبحت محبة الناس في الأغلب على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً.

ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالرجوع إلى الله والاجتماع على الحب فيه والبغض فيه والولاء وله والبراء ممن أمرنا الله بالبراء منه، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) (٥).

إذن فعلاج الوهن الذي أصاب هذا المبدأ الإسلامي العظيم إنما يكون بالرجوع إلى الجماعة وترك الفرقة، وبتحكيم الكتاب والسنة وتدبرهما وفهمهما وبالعودة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم.

الدليل الرابع: قول تعالى: فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [الأنفال: ١].

وقال تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: ٩].

فقد حث سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمات على إصلاح ذات البين، وعلى الإصلاح بين المؤمنين إذا حصل بينهم ما يفرق جماعتهم، وما يكدر عليهم صفو ألفتهم، وما ذلك إلا ليبقى المجتمع المسلم مترابطاً متحاباً متآلفاً.


(١) ((الولاء والبراء في الإسلام)) (ص: ٩٠) ط أولى. دار طيبة، الرياض.
(٢) ((حلية طالب العلم)) (ص: ٦٢) ط أولى سنة ١٤٠٨هـ دار الراية، الرياض.
(٣) رواه البخاري (٤٠١٥) ومسلم (٢٩٦١).
(٤) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٨/ ١٩٦). بلفظ: (أحب في الله ووال في الله وعاد في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، لا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك).
(٥) ((الولاء والبراء)) (ص: ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>