للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخوف عليه من أن يكون كافراً. لأنَّ العلماء من السلف الأوَّل وغيرهم اختلفوا في تكفير كثير من فرقهم مثل الخوارج والقدرية وغيرهم، ودل على ذلك ظاهر قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ [الأنعام: ١٥٩]، وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦]. وقد حكم العلماءُ بكفر جملة منهم كالباطنية وسواهم، والعلماءُ إذا اختلفوا في أمر: هل هو كفر أم لا؟ فكل عاقل يربأُ بنفسه أن يُنسب إلى خطة خسف كهذه بحيث يقال له: إنَّ العلماءَ اختلفوا: هل أنت كافر أم ضال غير كافر؟ أو يقال: إنَّ جماعة من أهل العلم قالوا بكفرِك وأنت حلال الدم.

يُخافُ على صاحبها سوء الخاتمة والعياذ بالله. لأنَّ صاحبها مرتكبٌ إثماً، وعاصٍ لله تعالى حتماً، ومن مات مُصِرَّاً على المعصية فيخاف عليه.

لأنَّ المبتدع مع كونه مُصِرَّاً على ما نُهِيَ عنه يزيد على المُصِرِّ بأنه معارضٌ للشريعة بعقله، غير مُسَلِّمٍ لها في تحصيل أمرِه، معتقداً في المعصية أنها طاعة، حيث حسَّن ما قبَّحه الشارع، وفي الطاعة أنها لا تكون طاعة إلا بضميمة نظره، فهو قد قبَّح ما حسَّنه الشارع، ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة إلا ما شاء الله.

اسوداد الوجه في الآخرة، لقوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ [آل عمران: ١٠٦].

البراءَةُ منه في قوله: إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ [الأنعام: ١٥٩]

وقال ابن عمر رضي الله عنه في أهل القدر: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم بُرَآءُ مني) (١).

والآثار في ذلك كثيرة. ويعضدها ما رُوِيَ عنه عليه السلام أنه قال: ((المرءُ على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) (٢). ووجه ذلك ظاهر.

يخشى عليه الفتنة لما حكى عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال: سألت مالكاً عمن أحرم من المدينة وراءَ الميقات؟ فقال: هذا مخالف لله ورسوله، أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة. أما سمعت قوله تعالى: فلْيَحْذَرِ الَّذِين يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ [النور: ٦٣]، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُهلَّ من المواقيت. مختصر كتاب الإعتصام للشاطبي لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص ٢٩ بتصرف


(١) [١٥٠٢٨])) رواه مسلم (٨).
(٢) [١٥٠٢٩])) رواه أبو داود (٤٨٣٣)، والترمذي (٢٣٧٨)، وأحمد (٢/ ٣٣٤) (٨٣٩٨)، والحاكم (٤/ ١٨٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (٦/ ٤٧٠): حسن غريب، وصحح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (ص: ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>