للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن هذه البدع قد فعلها أصحابها بدافع التقرب إلى الله, فلم يقرهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنها بدعة محدثة.

٣ - إن ذلك كان في مجال العبادة فعلوها للتزود من الخير, ولكن ليس كل مريد للخير يسلك الطريق الصحيح الموصل إليه.

٤ - إن الرسول صلى الله عليه وسلم قاوم هذا الاتجاه وقوم هذه المغالاة.

(٥) إن ذلك الإحداث والغلو كان منحصراً في أفراد لا جماعات, بخلاف ما وصل إليه حال المسلمين في هذا الزمان، فإن البدع أصبحت تشكل جماعات وأحزاباً مختلفة كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: ٥٣].

أما تحليل الحرام فيتمثل في تلك الآراء الفاسدة التي تحلل الربا بشبه واهية، أو تفتي بعدم جواز قتل المرتد، مع ورود الأحاديث الصحيحة في ذلك، استناداً إلى ما لا يجوز الاستناد إليه كما فعل صاحب كتاب الحرية الدينية في الإسلام.

ثانياً: ومن البدع الحقيقية اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان, كصلاة سادسة مثلاً بركوعين في كل ركعة أو بغير طهارة.

ثالثاً: ومنها إنكار الاحتجاج بالسنة، أو تقديم العقل على النقل, وجعله أصلاً والشرع تابع له.

رابعاً: ومنها القول بارتفاع التكاليف عند الوصول إلى مرحلة معينة مع بقاء العقل وشروط التكليف، فلا تجب عند ذلك طاعات, ولا تحرم محرمات, بل يصير الأمر على حسب الهوى والرغبات.

خامساً: ومن هذه البدع تخصيص مكان كبئر, أو شجرة, أو نحوها بخصوصية معينة من اعتقاد جلب خير, أو دفع ضر, بلا استناد إلى خبر صحيح.

أما البدعة الإضافية فقد عرفها الشاطبي بأنها ما لها شائبتان:

إحداهما: لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة.

والأخرى: ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، أي أنها بالنسبة لأحدى الجهتين سنة لاستنادها إلى دليل، وبالنسبة للجهة الأخرى بدعة، لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل، أو لأنها غير مستندة إلى شيء.

وسميت إضافية لأنها لم تخلص لأحد الطرفين، لا بالمخالفة الصريحة ولا بالموافقة الصريحة.

والفرق بين البدعة الحقيقية والإضافية من جهة المعنى أن الدليل على الإضافية من جهة الأصل قائم, ومن جهة الكيفيات, أو الأحوال, أو التفاصيل لم يقم عليها. مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة (١). ومن أمثلتها: ذكر الله تبارك وتعالى على هيئة الاجتماع بصوت واحد. فالذكر مشروع بل واجب, لكن أداؤه على هذه الكيفية غير مشروع, بل هو بدعة مخالفة للسنة, وعليه يحمل قول ابن مسعود للجماعة الذين كانوا يجتمعون في المسجد وفي أيديهم حصى, فيسبحون ويكبرون بأعداد معينة حيث قال لهم: (والله لقد جئتم ببدعة ظلماً, أو فضلتم أصحاب نبيكم علماً) (٢). ومن أمثلته أيضاً: تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام, وليلته بقيام، وإفراد شهر رجب بالصوم أو عبادة أخرى.

فالعبادات مشروعة, ومنها الصوم, لكن يأتي الابتداع من تخصيص الزمان أو المكان إذا لم يأت تخصيص ذلك في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

والبدعة الإضافية أشد خطورة من الحقيقية من حيث الشبه التي يستند إليها المبتدع في فعلها، فإنك إذا سألته عن دليل ذلك قال: إنه يذكر الله, ويصوم لله, فهل الذكر والصيام محرمان؟ ومن ثم يستمرئها, ويداوم عليها, وقد لا يتوب منها في الغالب، ذلك أن الشبهات أخطر الأمور على الدين, فهي أخطر من الشهوات وإن كان الجميع خطيراً، لأن إبليس اللعين لما يئس من تضليل المسلمين بالمعاصي دخل عليهم من باب العبادة, فزين لهم البدع بحجة التقرب إلى الله. وهنا مكمن الخطر. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وهذه المداخل الشيطانية قد جلَّاها ووضحها ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبيس إبليس فليراجع. تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لصالح بن سعد السحيمي - ص ٩٣


(١) ((الاعتصام)) للشاطبي (١/ ٢٨٦ - ٢٨٧).
(٢) رواه الطبراني (٩/ ١٢٥) (٨٦٤٩)، وعبد الرزاق (٣/ ٢٢١). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٨٦): فيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>