للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن النظر المدقق في هذه المسألة يجد أن التقسيم لا يرد جملة، بل يصح إذا تحقق فيه أمران:

الأول: إعادة النظر في ضوابط التمييز بين الأصول والفروع، وذلك بوضع ضوابط صحيحة المعنى من الناحية الشرعية.

الثاني: التحقيق العلمي للأحكام المتعلقة بكل من الأصول والفروع.

ومما يدل على أن هذا التقسيم قد يقبل إذا توفرت شروط معينة موقف شيخ الإسلام ذاته من هذه المسألة، حيث إنه – رحمه الله – استعمل عبارة أصول الدين وفروعه، لكن لا على اصطلاح أهل الكلام، ومن ذلك – مثلا – قوله: (وإذا عرفت أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام؛ لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين، فهو موروث عن الرسول) (١). وقوله: (ما زال كثير من أئمة الطوائف الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وإن كانوا في فروع الشريعة متبعين بعض أئمة المسلمين – رضي الله عنهم أجمعين -، فإنهم يقولون: نحن في الأصول أو في السنة على مذهب أحمد بن حنبل) (٢). وقوله: (والغرض هنا أن طريقة القرآن جاءت في أصول الدين وفروعه في الدلائل والمسائل بأكمل المناهج) (٣).

مما يدل على أن هذا التقسيم إذا كان منضبطاً بضوابط شرعية صحيحة، وبني عليه أحكام صحيحة كذلك، فإنه لا مانع منه، أو يكون بهذا الاعتبار مسألة اصطلاحية لا يترتب عليها أحكام شرعية، وعليه فلا ينسب هذا التقسيم إلى الشرع، بحيث تترتب عليه أحكام شرعية. وهذا الذي قد يحمل عليه موقف شيخ الإسلام من هذه المسألة، بحيث يحمل عدم ارتضائه لهذا التقسيم واستعماله للتعبير الدال عليه، يحمل ذلك على إنكاره ترتيب أحكام التكفير والتفسيق وغيرها على أساس ذلك التقسيم (٤).

أما عن ضوابط التفريق بين الأصول والفروع، فللعلماء عدة طرق في التفريق بينها (٥)، ومنها:

١ - أن ما كان عقلياً، فهو من الأصول، وما كان دليله نقلياًن فهو من الفروع.

٢ - أن ما كان دليله قطعياً، فهو من الأصول، وما كان ظنياً، فهو من الفروع.

٣ - أن الأصول هي العلميات، والفروع هي العمليات.

٤ - أن الأصول هي الطلبيات، والفروع هي الخبريات (٦).

وما من قول من هذه الأقوال إلا ودار حوله نقاش، ووجد له ما يعارضه حتى لم يكاد يسلم منها قول، وإن كان في بعضها وجهة نظر قوية ومعتبرة. والذي يترجح عندي في ضابط التمييز بين الأصول والفروع، هو أن كل ما كان جليلاً من المسائل، فهو من الأصول. وما كان دقيقاً منها، فهو من الفروع علميا كان أو عمليا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين – العلمي والعملي – مسائل أصول، والدقيق مسائل فروع. فالعلم بالواجبات كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة، كالعلم بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة، ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر، كما أن من جحد هذه كفر) (٧). الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر معاش – ص: ٣٥٩


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٤١).
(٢) ((بيان تلبيس الجهمية)) (٢/ ٩١).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٨).
(٤) انظر: ((معجم المناهي اللفظية)) للشيخ د. بكر أبو زيد (ص: ٥٥ - ٥٦).
(٥) انظر: ((الأصول والفروع حقيقتهما والفرق بينهما، والأحكام المتعلقة بهما)) لسعد الشتري (١/ ١٣٩ - ٢٣٥).
(٦) انظر: ((الأصول والفروع حقيقتهما والفرق بينهما، والأحكام المتعلقة بهما)) لسعد الشثري (٢/ ٥٥٧).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>