للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي أبي يعلى فيكون الكلام فيه كالكلام في الوجه وقد يقولون: إن ما يثبتونه لا ينافي الجسم كما يقولونه في سائر الصفات والعاقل إذ تأمل وجد الأمر فيما نفوه كالأمر فيما أثبتوه لا فرق وأصل كلا م هؤلاء كلهم على إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون عن هذا تارة بمنع المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة الثانية وتارة بمنع كل من المقدمين وتارة بالاستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولي والصورة ونحو ذلك فإما يبنى على صحة ذلك وعلى إثبات الجوهر الفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك والمقصود: هنا أنهم يطلقون التشبيه على ما يعتقدونه تجسيما بناء على تماثل الأجسام والمثبتون ينازعونهم في اعتقادهم كإطلاق الرافضة النصب على من تولى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بناء على أن من أحبهما فقد بغض عليا رضي الله عنه ومن أبغضه فهو ناصبي وأهل السنة ينازعونهم في المقدمة الأولى ولهذا يقول هؤلاء: إن الشيئين لا يشبهان من وجه ويختلفان من وجه وأكثر العقلاء على خلاف ذلك وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبينا فيه حجج من يقول بتماثل الأجسام وحجج من نفي ذلك وبينا فساد قول من يقول بتماثلها وأيضا فالاعتماد بهذا الطريق على نفي التشبيه اعتماد باطل وذلك أنه إذا أثبت تماثل الأجسام عما لا ينفون ذلك إلا بالحجة التي ينفون بها الجسم وإذا ثبت أن هذا يستلزم الجسم وثبت امتناع الجسم: كان هذا وحده كافيا في نفي ذلك لا يحتاج نفي ذلك إلى نفي مسمى التشبيه لكن نفي التجسيم يكون مبنيا على نفي هذا التشبيه بأن يقال: لو ثبت له كذا وكذا لكان جسما ثم يقال: والأجسام متماثلة فيجب اشتراكها فيما يجب ويجوز ويمتنع وهذا ممتنع عليه لكن حينئذ يكون من سلك هذا المسلك معتمدا في نفي التشبيه على نفي التجسيم فيكون أصل نفيه نفي الجسم وهذا مسلك آخر سنتكلم عليه إن شاء الله وإنما المقصود هنا: أن مجرد الاعتماد في نفي ما ينفي على مجرد نفي التشبيه لا يفيد إذ ما من شيئين إلا يشتبهان من وجه بخلاف الاعتماد على نفي النقص والعيب ونحو ذلك مما هو سبحانه مقدس عنه فإن هذه طريقة صحيحة وكذلك إذا أثبت له صفات الكمال ونفي مماثلة غيره له فيها فإن نفي المماثلة فيما هو مستحق له وهذا حقيقة التوحيد: وهو أن لا يشركه شيء من الأشياء فيما هو من خصائصه وكل صفة من صفات الكمال فهو متصف بها على وجه لا يماثله فيه أحد ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إثبات ما وصف به نفسه من الصفات ونفي مماثلته بشيء من المخلوقات فإن قيل: هب الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل: إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى بعض المخلوقات حيا سميعا عليما بصيرا فإذا قيل: يلزم أنه يجوز عليه ما يجوز على ذلك من جهة كونه موجودا حيا عليما سميعا بصيرا قيل: لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعا على الرب تعالى فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا مكانا ولا نقصا ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود أو الحياة أو الحي أو العلم أو العليم أو السمع أو البصر أو السميع أو البصير أو القدرة أو القدير والقدير المشترك مطلق كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص بالممكن المحدث ولا فيما يخص بالواجب القديم فإن ما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال كالوجود والحياة والعلم والقدر ولم يكن في

<<  <  ج: ص:  >  >>