للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله -: (اختلف العلماء في معناه، فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على ما يشاء قدير. قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل وآمن بسائر صفاته وعرفها، لم يكن بجهل بعض صفات الله كافراً، قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين) (١). ثم قال: (وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدرته، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان) (٢)؛ ثم استدل على ما ذهب إليه بحال الصحابة – رضي الله عنهم -، حيث كانوا يسألون عن القدر، كقولهم: يا رسول الله، أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ (٣)، ثم قال: (ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا في حين سؤالهم عنه غير مؤمنين ... ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه. ولو كان لا يسعهم جهله وقتا من الأوقات، لعلمهم ذلك مع الشهادتين بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم) (٤).

- وقال الإمام الخطابي – رحمه الله -: (وقد يستشكل هذا، فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟، والجواب أنه لم ينكر البعث، وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب ... ) (٥).

- وقال الإمام ابن حزم – رحمه الله -: (فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله) (٦).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت، كفر، لكن كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئا. فغفر الله له ذلك ... فغاية ما في الأمر أنه كان رجلاً لم يكن عالماً بجميع ما يستحقه الله من الصفات، وبتفصيل أنه القادر. وكثير من المؤمنين قد يجهل ذلك، فلا يكون كافراً) (٧).

- واستشهد الحافظ ابن القيم – رحمه الله بهذا الحديث عند حديثه عن كفر الجحود، فاستثنى منه من جحد صفة وصف الله بها نفسه جهلا، فقال: (كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح. ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً) (٨).

- وقال الإمام ابن الوزير: (وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالاً، فلا يكون كفرا، إلا لو علم أن الأنبياء جاؤوا بذلك، وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحداً منهم) (٩).

- وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (فهذا الرجل اعتقد أنه إذا فعل بعد ذلك، لا يقدر الله على بعثه – جهلاً منه لا كفراً ولا عناداً -، فشك في قدرة الله على بعثه. ومع هذا غفر له ورحمه) (١٠).


(١) ((التمهيد)) (١٨/ ٤٢).
(٢) ((التمهيد)) (١٨/ ٤٦).
(٣) أخرجه الإمام ابن عبد البر في ((التمهيد)) (١٨/ ٤٧).
(٤) ((التمهيد)) (١٨/ ٤٦ - ٤٧).
(٥) ((فتح الباري)) (٦/ ٥٢٢).
(٦) ((الفصل)) (٣/ ٢٩٦).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٠٩ - ٤١١). وانظر: (٣/ ٢٣١ و ١٢/ ٤٩١)، و ((الاستقامة)) (١/ ١٦٤ - ١٦٥).
(٨) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٣٨ - ٣٣٩).
(٩) ((إيثار الحق على الخلق)) (ص: ٣٩٤).
(١٠) ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (١/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>